;
أنصاف مايو
أنصاف مايو

عدن.. أين نحن منها؟ 1816

2011-04-28 05:33:42


عدن حالها اليوم لا يسر، هذه المدينة الواعدة المسالمة التي احتضنت الجميع يوم غادروا مناطقهم لشظف العيش وقسوة المناخ، ففتحت لهم ذراعيها ليعيشوا على مقوماتها ويشاركوا سكانها وأبناءها الأُصلاء والكُرماء.
تعالوا لنرى الصورة من قريب، فهذه المدينة التي كان بالإمكان التجول في شوارعها بدقائق قليلة, لا يستطيع المرء أن يطوفها اليوم في أيام لتوسع أحيائها، عدن كانت خدماتها تعمل على مدار الساعة، تحول بها الحال إلى مدينة موحشة لا يستطيع الواحد منا إيجاد صيدلية مفتوحة إلا بصعوبة. 
هذه المدينة التي كان أبناؤها يعبرون عن مطالبهم من خلال الحجة والبرهان، ومن خلال إتباع الإجراءات والنظم، تفاجأت اليوم بإغلاق بعض مدارسها تحت طائل الوعيد والتهديد وطرق بعض أحيائها لا تستطيع النفاذ منها، هذه المدينة التي عاش فيها الجميع بمختلف انتماءاتهم الجغرافية والسياسية بنوع من الهدوء المقبول، أصبحت اليوم لا يوجد فيها إلا السياجات التي تغلق الطريق أمام الآخر!، وتكاد تفتقد الأمان وأنت تنتقل من حي إلى آخر، فما الذي حدث؟ وما الذي جرى؟ وماذا أصابها؟. 
هل ما جرى وحدث هو سبب الحالة العامة في البلد؟، أم بسبب الضغوطات المختلفة التي يعيشها أبناؤها وأحبابها؟، أم أن دخلاءً أرادوا أن يصفوا حساباتهم فيها ومعها؟.
ونقول إن الذي حدث هو تراكم الأخطاء في حق هذه المدينة، ولابد للجميع أن يتحمل مسؤوليته والمقام ليس مقام تحديد جهات، فمن يحبون هذه المدينة يعلمون أن جهات بعينها حاولت خلال الأربعين عاماً الماضية الإساءة إلى هذه المدينة من خلال عوامل عدة، يتصدر هذه العوامل الجهل وعدم الكفاءة وقلة الخبرة وتصدر المقربين وغيرها من عوامل الهدم التي لا تجتمع على مدينة إلا ودمرتها، ثم أتت النظريات الحزبية المقيتة، لتزيد الأمر سوءً، فاشتغل البعض في هذه المدينة بنفسٍ حزبي أعمى، وبدلاً من أن يجعل من الحزبية محضناً لإخراج الأكفأ والأقدر، جعلها سلماً لمن أراد أن يلحق بهذه المدينة الخراب.
 وصحيح أنه خلال السنين الماضية بذلت أموال كثيرة لإنعاش هذه المدينة، ولكن هذه الأموال جملت المظهر لا المخبر، واليوم تعاني من ضعف المخبر كثيراً، في مثل هذه اللحظات الحرجة التي نبحث فيها عن المخلصين الشرفاء الأكفاء، الذين هم أساس أي إنقاذ لأي نهضة وبناء.
ولهذا ظلت علاقة الناس بهذه المدينة كقيمة حضارية، تتدهور خلال السنين الماضية واختفت من شوارعها رموز الثقافة الحقيقية، لتحل محلها أشكال خاوية لمسميات تعكس حالة الوهن التي تسود المدينة وأحيائها، وبدلاً من أن يكون لهذه المدينة مرجعياتها الحقيقية الذين يتمتعون بالكفاءة والقدرة- آلت الأمور إلى فريق أرهق الجميع وأوصلنا إلى ما نحن فيه.
 ولعل قائل يقول إن ما يجري اليوم لا يخص عدن، ولكنه حدث عام يجتاح اليمن والمنطقة، ونقول نعم، ولكن في مثل هذه الأحداث تبرز مزايا المدن وأبنائها، ويتجلى معدن الناس الواعيين والمتعلمين وتعبر مؤسسات المجتمع عن جاهزيتها وتألقها، وما نراه اليوم يبعث على التساؤل والبحث عمن كان سبباً فيما وصلنا إليه؟. 
نقول إن مجمل الصراعات التي كانت في اليمن تحملت هذه المدينة منذ الاستقلال وإلى الآن جزءً مهماً منها، مما أدى إلى أن تكون معظم سياساتنا وإجراءاتنا في أجواء الصراع، وبالتالي كان الصراع مبتدأها وفي أحوال أخرى موضوعها، ولهذا لم تكن النتائج بمعزل عن المدخلات، فلم تنتج هذه الصراعات إلا مزيداً من التدهور وعدم الاستقرار.
أقول إن الشكل المشوه لمدينة عدن اليوم يجب أن يكون حاضراً لنا، حتى لا يتكرر هذا الفشل مرة أخرى.
إن المدينة يجب أن تكون مكوناً أساسياً في شخصية من يسكنها، وفي حال لم يوجد هذا المكون، فإن من يسكن في هذه المدينة بدون هذا الإحساس يقلقها ويؤذيها، وفي أحيان قد يدمرها، لابد ونحن في هذه اللحظات المفصلية أن نراجع قناعاتنا ونعيد قراءة واقعنا ونعمل من خلال قواسم مشتركة، لتعزيز مكانة المدينة وجوهرها الحضاري كعامل أمان واستقرار. 
إن العشوائية التي خربت حياتنا في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، قد تغلغلت إلى أحياء المدينة وشوارعها وحاصرت كل القيم الإيجابية في حياتنا، وإذا بنا نتفاجأ بأننا مكبلون في لحظات الخطر لا نستطيع التحرك. 
وعليه لابد لمثقفي هذه المدينة في كل القطاعات من معلمين وموجهين وأطباء ومهندسين وجمعيات وأحزاب وغيرهم من أعلام المدينة –ذكوراً ونساءً، يعيدوا لها صوتها الجامع ورايتها المتميزة التي تجمع الناس من كل المشارب، للحفاظ على هذه المدينة ومراعاة حقوقها علينا.
علينا جميعاً أن نكبر على عوامل الضعف، من قرويات ضيقة وأحزاب لا تعرف كيف توجه منتسبيها ومثلها التحالفات الضيقة، علينا عدم السماح للبعض بالعبث في شوارع هذه المدينة بالطريقة العصبية المقرفة، التي لا تعبر عن فهم سياسي ولا عن تميز أخلاقي ولا برنامج واقعي.
 لابد أن نقف جميعاً ضد إغلاق المدارس بالقوة، لابد أن نقف كلنا بدون استثناء ضد قطع الطرقات وتخريبها، لابد أن ينحاز المثقفون من كل المشارب لحماية مظهر المدينة وسهولة الحركة فيها، لابد أن تكون عدن أنموذجاً متميزاً ونحن ننشد التغيير السلمي، ونعلم الناس أن العصيان المدني لا يطبق بالعنف، لأن العنف لا ينتج إلا العنف.
أيها المثقفون، أيها الموقنون، أيها المخلصون، أيها المحبون لهذه المدينة أين نحن من عدن وأين عدن منا؟.. إن لم نتحرك اليوم وفي هذه ألحظات سيفوتنا الكثير وسيظل مستقبلنا يقرره المتصارعون كما اعتادوا ذلك في ماضيهم، وستظل عدن تنزف حتى موعد آخر.
* عضو مجلس النواب.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد