الزميل والصديق المرحوم بإذن الله تعالى/ عادل الأعسم واحد من أبرز عمالقة الصحافة اليمنية والعربية –رياضياً وسياسياً- المهنة التي امتهنها واحترفها عن جدارة واقتدار وعشقها حد الثمالة والهيام، منذ أن كان طالباً في الثانوية، بل كما قال لي ذات يوم منذ الابتدائية، ثم الجامعة والذي كان لي الشرف أن زاملته الدراسة الجامعية.
الحديث عن الزميل والصديق عادل الأعسم "أبومحمد" أمر يصعب الولوج فيه بعجالة أو بدافع طفرة الحماس العاطفي الذي قد يأخذ منحى التسابق لمن ينال قصب السبق لكتابة الكلمات والقصائد الرثائية، وهي عادة تمتطي لغة الحديث التقليدي السائد –المناسباتي- المحشو بعبارات النفاق المألوفة المكرورة السمجة، التي يستخدمها ويلجأ إليها الكثير، يتفننون في صياغتها وحبكها بعد رحيل هذه الشخصية أو تلك.
فشخصية فقيدنا الغالي "عادل" لا تحتاج إلى هذه اللغة المصطنعة والعادة التقليدية للعرب منذ الجاهلية/ بقدر أن تاريخه ومسيرة حياته الغنية بالعبر والدروس والحكم والمواقف الثابتة والشجاعة وموكب تشييعه الجنائزي المهيب الذي يترائ أمامي ولم يفارقن حتى اللحظة، أو موكب المعزين من كل حدب وصوب ومن مختلف الانتماءات السياسية والحزبية والمشارب الفكرية والقبلية.....إلخ، ستظل شهادة دامغة حية وأكثر تأكيداً على مكانة هذه الشخصية الفذة وما حظيت به من إجلال وتقدير وحب وصدق الوفاء، فشخصية فقيدنا وزميلنا "أبومحمد" تحتاج إلى وقت كافٍ وشجاعة لمن يريد أن يكتب عنها بمصداقية ووقار كي تصبح هذه الكتابات جديرة بحمل رسالة الإنصاف والحكم العادل.
إن تاريخ فقيدنا الحبيب "عادل" ليس تاريخاً عادياً، بل إنه وفي ظروف وأوضاع مختلفة واستثنائية كالتي عاشها، فيها من التناقضات والصراعات والصعوبات الحياتية والمعيشية والعامة، أتذكر أبسط هذه الصعوبات: صعوبة أن يقول الكاتب الصحفي الحقيقة أو حتى نصف الحقيقة وفي زمن رديء تغيرت فيه كثير من القيم وضاعت الحقوق وانتهكت الحريات وطغت المادة على الأخلاق والمواقف، إلا من رحم ربي!.
كل تلك المعطيات تقرب، بل تعطي تصوراً واضحاً ورسماً حياً لشخصية فقدينا "صحافياً وإنساناً"، أبرز ملامح هذا التصور أو صورة الصفات الإنسانية المشهودة له بالشجاعة والشموخ والنقاء الخلقي والتواضع السامي وحب الآخرين وإيثارهم على نفسه والصدق وقول الحقيقة والجهر بها، مهما كانت مرة وكانت تبعاتها دون خوف أو تردد.
لقد جعل فقيدنا من نفسه صحفياً جندياً مغواراً ومدافعاً جسوراً عن قضايا وطنه وشعبه، عاصر وشارك في صنع الكثير من الانجازات والتحولات التي مرت بها اليمن، سيما فترة ما بعد الوحدة، وفي العمل الصحفي تحديداً، والتي كانت أكثر زخماً ووضوحاً وإلقاءً أثناء إصدارة صحيفة "الفرسان".
لقد أكدت الحياة أن فقيدنا استخدم وسخر قلمه وفكره ومسؤولياته باعتداد وثقة كبيرتين وبقدرة عجيبة من الإدراك الواعي لطبيعة هذه التحولات والمنعطفات، وأجاد التعامل معها بحنكة القائد المجرب وعقل المثقف الحكيم المتمكن، فلم يكن مزاجياً مهرولاً أو متعصباً في أطروحاته وآرائه وانتقاداته وتحليلاته.
وقد أخذ على عاتقه عبئاً ثقلاً لا يستهان به من أعداء قضايا الوطن وهموم الناس ومشاكلهم وآمالهم وتطلعاتهم، وكانت هموم وشجون الصحافة والصحافيين في صدارة هذه الأعباء التي كانت تثقل كاهله وتتعب قلبه وتؤرق نفسه، فكان القدوة والمرجعية لكثير من الصحافيين، فمعظم آرائه وتقييماته لكثير من الأمور ومواقفه الشجاعة دائماً ما كانت تستنهضنا، كما كانت تستنهض الناس الشرفاء كافة، لأن مبادراته وتحليلاته ونظرته للواقع واستشرافه للمستقبل كانت استجابة وقراءة عميقة وخلاقة وحية لما يعتمل في صدورنا نحن الصحفيين، وتلامس همومنا ومشاكلنا وأوجاعنا وكذا هموم ومشاكل وأنات عامة الشعب، سيما السواد الأعظم من الفقراء والمغلوبين والمقهورين.
كان دائما يتحسس الأوجاع والصعوبات التي تواجه زملاء المهنة وكم هي كثيرة، ولكنه يدعوهم أن لا ييأسوا أو يتراجعوا خطوة واحدة إلى الخلف وأن يمقتوا الامتثال الأعمى والتزلف والتملق أثناء كتاباتهم، مهما كانت الصعوبات والعراقيل والأخطاء.
الكل يعلم كم قدم فقيدنا "عادل" لوطنه وشعبه وللصحافة والصحفيين، وكم ضحى بأجمل مراحل عمره وحياته وصحته وأعصابه من أجل هذه القضايا، دون أن يقدم أدنى التنازلات أو يركع ويحرق المباخر، كما فعل كثيرون غيره، حتى رحلت روحه الطاهرة إلى بارئها في 28/4/2009م وهو ذلك الفارس المغوار الرافع الرأس، الصافي القلب والسريرة، والنظيف اليد والعفيف اللسان.. "ومع الرحمة عليه.. نشكر الله بأنه أوجد "عادلاً" حياً بيننا.. بجرة قلم أخيه ياسر الأعسم.. والحمدلله"، كما قال الأستاذ/ عوض سالم "عوضين" في مقاله الرائع "أنا.. والأعسم.. وبقايا ذكريات!!" المنشور في عدد الطريق الصادر في 23/4/2011م.
alhaimdi@gmail.com