كم كانت سعادتي وأنا أرى العالم وهو يتعرف على هذا الشعب للمرة الأولى، بعد أن أزيل عنه جلباب القتامة والتضليل الذي حرص النظام طيلة "33" عاماً على حياكته بالأزمات التي كان يفتعلها، والاتهامات التي كان يجعلها هوية المواطن اليمني، يصحبها في تجواله وترحاله، ليسقى ذل الغربة إلى جانب ذل الحاجة والفقر، ليعيش الشتت، إلا من هوية أراد النظام إلا أن يحولها بطريقته إلى إرهابي، قاعدة، حوثي، انفصالي و....إلخ.
لكن هاهي ثلاثة أشهر استطاعت أن تمحي "33" عاماً من التضليل، لترفع هامات الشعب اليمني إلى عنان السماء وتسكب جباه السمر عرقها، وهي تقوم بواجبها الوطني المقدس، إيماناً منها بالحرية والكرامة والعدالة.
يفاجئ العالم بهذا الشعب الذي لم يسقط تلك الصورة السوداوية والتي جعلها النظام حاضرة بكل أقطار الدنيا فحسب، بل كان ذلك النور الذي أشرق من الساحات بعبق الحرية وعبير الكرامة وتحضر فاق كل التوقعات، حشود تجتاح الشوارع بهدير مطالبها، دون أن تشهد أي عنف أو تدمير، إلا بما يحدثه النظام من قتل وتدمير وعبث بالنفس البشرية.
إننا اليوم نفخر ونحن نرى العالم يشيد بمن هم في الساحات، ونخجل حينما يصل أولئك الذين يدعون الشرعية الدستورية وهم يدلون برواياتهم وهذيانهم بتلك العبارات الدنيئة والإدعاءات السقيمة.
ما يزيد عن "3" أشهر يحتدم الصراع، صراع الساحات والحشود والإعلام والإشاعات، ليسقط النظام ويخرج بعارٍ خسائره، ويتعرى أمام العالم ليظهر كنفر من أصحاب المصالح الضيقة وفي لحظات هزائمهم يصبون جام غضبهم على الثوار وعلى الثورة التي ترسخت بالدماء الزكية، لتصبح عصية على كل من يتآمر عليها.
يبقى أن هذه الثورة حق لهذا الشعب، لا يمكن انتزاعها أو الالتفاف عليها، والاعتراف بالحقوق السياسية لهذا الشعب أمر لا مفر منه، فمطالب التحرر من التبعية للقوى الإقليمية والدولية بات أمراً ملحاً، وخاصة بعد ظهور هذه التبعية السياسية، وها نحن نشحت المبادرات، لنحل نظام فاسد ومستبد، ويبدو أننا سنكون بحاجة إلى مبادرات لإيصال نظام آخر للحكم.
سواء أكانت هذه المبادرات التي تطرح، مبادرات تآمر أو مبادرات حل لما سموها بالأزمة، هنا يا سادتي في الساحات شعب، لا يقبل الوصاية أو التبعية، ومن يرد غير ذلك، فلن يكون إلا كمن يغرد خارج السرب ولم يعد هنا متسع من الوقت لسماع مثل هذه النغمات القديمة.
لأن هذه الثورة لن تصبح ورقة على طاولة الحوارات، ليعبث في أهدافها لخدمة تيار سياسي، أو طرفاً إقليمياً، لأن ما ينادى به في الساحات لا يتعارض مع أمن اليمن أولاً، ولا مع أمن واستقرار الجوار الإقليمي ثانياً، ولا أظن أن رفضنا لنظام شمولي وأحادي وازدواجي المعايير أمر غير دستوري أو قانوني.
ليعلم الجميع أن من ظل في الساحات تحت لهيب الشمس الحارقة وزخات المطر ووابل الرصاص الحي وسحائب الغاز السام والمؤامرات والدسائس وزوابع الاتهامات والإشاعات المغرضة، قادر على الصمود أمام أتون التدخلات المجحفة بحق هذا الشعب وبطريقته الحضارية المدهشة.
رحم الله عبدالله عبدالوهاب نعمان الذي قال:
لم نعد صنفي ثراةٍ أو رعاع ** أو رعايا سُخـرت للانتفاع
إذا مشى الحق على ساحاتنا ** ينصف الأكواخ من ظلم القلاع