إن حيازة أجندة خارجية بات على ألسنة الرؤساء العرب، الذين لم يعيروا شعوبهم الاهتمام وأهملوهم، وأهملوا إلى درجة كبيرة قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أصبحت اليوم التحدي الأكبر أمام الشعوب في عصر العولمة الذي لا يرحب بالضعفاء، فغالبية الأنظمة العربية هي أنظمة فاسدة، وما نراه اليوم في الشارع العربي سببه الفساد.
والسلطة طبعاً خلال العقود الماضية زرعت الفساد وتبنت المفسدين وهذا ما لا يقبله الشعب اليمني الذي خرج من أجل التغيير، فمن أرادوا التغيير وخرجوا معبرين عن ذلك بالطرق السلمية، يرفضونه جملة وتفصيلاً، فنحن يحكمنا نظاماً لمدة "33" عاماً، ثلاثة عقود وهو متربع على كرسيه، تغير العالم وتغير رؤساء، خصوصاً في الدول الأوروبية وأميركا وتغيرت حكومات، وعلي صالح ثابتاً ممسكاً بكرسيه حتى الآن.
فعندما هبت رياح الثورة، ثورة التغيير، حملت بطياتها الأمل بالحرية وحلمت الجماهير الغفيرة التي خرجت إلى الشارع، حلمت بيوم الرحيل وسقوط النظام.
لقد اعتقد الرئيس خلال حكمه الطويل لليمن وشعبه أنه قد وضع الجميع تحت تصرفه ونراه ونسمعه يخاطب في ميدان السبعين مؤيدين له قائلاً: "سأصمد من أجلكم أيها الشعب الوفي وسنبادلكم الوفاء، ولن أترك السلطة إلا عبر صناديق الاقتراع، وأنتم الشعب الذي خرج في 2006م، لذلك لن نسمح بالانقلاب على الشرعية الدستورية".
لقد أخطأت هذه المرة أيها الرئيس، فلا يوجد انقلاب على الشرعية الدستورية، وإنما هناك إجماع شعبي جماهيري من كل فئات الشعب اليمني وشرائحه، إجماع يؤكد على إلغاء شرعيتك الدستورية، ولا تظن أن خروج المؤيدين في ميدان السبعين يعني لنا شيئاً، فنحن نعلم أن ذلك ما هو إلا استعراضاً مؤقتاً يتم تصويره من قبل الإعلام وينشر في كل الصحف الرسمية ويبث في القنوات الرسمية لإظهار صورة مزيفة لواقع أوجدته السلطة والحزب الحاكم بالمال.
لم أرغب بأن أخوض في هذا المجال، فقد مللت الحديث عن المؤيدين الذين لا يظهرون إلا في كل يوم جمعة، ولكن أحدهم قال لي: كان عليك أن تسمعي كلمة الرئيس التي ألقاها على طلاب الكلية العسكرية، قلت: هل هناك من جديد؟ قال: إذا رأيتِ أعداد الطلاب، أضيفي إليهم أعداد القوات في الجيش وكل الثكنات العسكرية، ستجدين أعدادهم خيالية!.
قلت: نعم، الكل يعلم ذلك.. أجاب: أنا على يقين بأن من يخرج للصلاة في يوم الجمعة المؤيدة للرئيس هم من الجيش ومن كل الثكنات العسكرية، طبعاً لا يرتدون زيهم العسكري، وإنما يرتدون زياً مدنياً، وعليك أن تتذكري جيداً أيام الانتخابات البرلمانية، خصوصاً في منطقة خور مكسر، عندما كانت تأتي سيارة كبيرة تحمل جنود بزي مدني، من أجل انتخاب ممثلة المؤتمر وإنقاذها من الفشل، لذلك أنا لا استبعد أن يكون المؤيدون هم أساساً من أصحاب الولاء والطاعة أفراداً منهم وفيهم.. قلت: لا أستبعد ذلك، خصوصاً أنه من الغير المعقول أن يأتي المؤيدين كل جمعة من المحافظات المختلفة، لتأييد رئيس قد انتهت أو زالت شرعيته الدستورية، وإن حضروا مؤيدين فهم قلة قليلة، لأن الأغلبية الساحقة في كل محافظات الجمهورية ابتداء من صنعاء وانتهاء بالمهرة، مواقفهم واضحة وثابتة، متفقون عليها جميعهم، وهي تصعيد الاحتجاجات السلمية المطالبة برحيل السلطة وإسقاط النظام.