لم تكن روما في تعامل أباطرة روما وثقافتهم وأعرافهم مدينة عادية وإنما كانت عاصمة الإمبراطورية المترامية الأطراف، المحاطة بعظمة ومجد الانتصارات والتوسعات التي قادها الأباطرة وسعى كل منهم على خدمتها وتطويرها والحفاظ عليها حتى حكمها نيرون بادئاً حكمه مستمعا لنصائح وإرشادات الفيلسوف سينيكا لفترة من الزمن وبعدها بدأ يصيبه الغرور والتعالي حتى قتل أمه وزوجته ومنتهياً به بإحراق روما، متلذذاً بنشوة الخمر والجنون، مقهقهاً ضاحكاً كلما ارتفع لهيب النار وانتشرت وزادت سحب الدخان واحترقت البيوت والأحياء.
إنه جنون العظمة والارتياب وغرور الإنسان عندما يتحالف مع الشيطان، فلا يسمع نصيحة ناصح ولا يستمع لنداءات رشد العقل الباطن وتتعطل لديه وظائف الانا اللوامه وتحل محلها الأنا الأمارة بالسوء.. ويتناسى حقيقة الضعف والهزال المصاحبان للإنسان والمرافقان له ,.. هي حالة مشابهة تطوف وتحلق اليوم على سماء مدينة سام تشعل محرقة هنا ومحرقة هناك ويعد نيرون فيها لمحرقة كبرى تلتهم التاريخ والحضارة والدين والإنسان ذاهبةً معها بمجاميع القيم والعادات والأعراف والتقاليد الأصيلة التي يبدو التنكر لها , والدوس عليها واضحاً في خطابات الشحوب والضبابية والتخبط والتناقض والارتباك والارتياب وربما الحيرة والصدمة وعدم القدرة على استيعاب ما يجري ..وهي النتيجة الطبيعية التي يصل إليها الحاكم عند تجاوزه مرحلة الاتزان وعدم الاستماع للعقلاء والاستغناء عنهم والإصغاء لمستشاري الشطح والتنظير الفاسد خدمة لأغراضهم ونوازعهم ومصالحهم بتجرد خالص عن الوطنية وحب الوطن.
 وليس مبالغة لو قيل أنهم لو استشيروا في إدارة مزرعة دواجن لأفسدوا البيض وقتلوا الدواجن ..., عشرات السنين والشعارات لا تتغير والخطابات نفسها وشعب دون شعوب الكون يعيش رهاب الفوضى وخوف غياب الأمن وهو مخير إما العيش في ظل الفوضى والفساد المستفحل والتصفيق لهما وعليه أن يردد نعم للأمن والاستقرار الغائب ونعم للوحدة المهددة ..ونعم للشرعية الدستورية التي لا تظهر إلا على أبواب الحروب.. تلك هي منجزات السلطة ومستشاريها وهي خلاصة ما توصل إليها منظروها الذين يقبعون في فخامة القصور ويغترفون برك وعيون المال العام ويجففونها مرحلة مرحله... يمتنون على الوطن بالمنجزات ويلعلعون على القنوات الفضائية مرددين تصريحات وعبارات ومصطلحات قد لا يفهم بعضهم معناها وهم خير معبر عن تلك المنجزات عندما يعكسون صورة التطور الذي تحقق والقفزات الهائلة والمنجزات الكبيرة التي أوصلتهم بأميتهم وثقافتهم الرعناء المخزية إلى هذا المستوى والموقع الذي لولا هذا النظام ما وصلوا إليه .
لم يستمع نيرون لنصائح الفيلسوف سينيكا فأحرق روما.. ولم يستمع الرئيس لنصائح من يشبهون سينيكا معتمداً بديلاً لذلك هو توزيع المناصب والمونيكا وهو في الطريق لإحراق صنعاء بنصائح وآراء المستشارين الذين يحشدون الحشود متباكين على وطن أبكوه وأهدروا كرامته ..وجرعوه الغصص والآلام بفساد منقطع النظير ربما لم يشهد له التاريخ مثيلا ...ورافعين الدستور يوماً كقميص عثمان للثأر له ...ويوماً كواقعة رفع المصحف لتحكيمه ...وهو نفسه الدستور الذي ظل حبيس الأدراج لم يحترموه أو يطبقوه أو يلتزموا بما فيه ..ولو أن الدستور احترم أو طبق لما وصل الحال إلى ما وصل إليه .
 إنها الشرعية والقانون التي يبحث عنها الوطن في الساحات ولا يقبل التنازل عنها بعد غياب طويل في سراديب الحبكات السياسية وافتعال الأزمات ومعامل تصنيعها ...وهو نفسه الشعب والشباب القادر بوعيه على تجاوز كل العقبات بعد أن تجاوز مرحلة الخوف من بعبع التمزق وشعارات التخويف بغياب الأمن والاستقرار.. وهي صنعاء قادرة على الوقوف أمام حريق نيرون، ستطفئه بنور وعقلانية من ينتشرون على ساحاتها، حيث نور العدل والحقيقة والسلام هو المنتصر على الجور والظلم والظلام .