تتأزم الأوضاع وتزداد الأمور توتراً وسوءاً، دون أدنى مراعاة من قبل الأطراف المتصارعة لإرادة الشعب الحقيقية، التي ترحب بالتغيير وتنادي به، لكن ليس بهذه الصورة المتأزمة الخالية من أبسط التنازلات التي يمكن عبرها أن تحقق للشعب ما يصبوا إليه وتزيح عن كاهله همّ القادم الذي بدأت بشائره تلوح في الأفق.
لابد على أطراف الصراع في الساحة اليمنية مراعاة اليمنيين وما يأملون به من غدٍ أفضل، لا غد مليء بالدماء والحروب وتصفية الحسابات ونبذ الآخر وعدم الاعتراف به، بغض النظر عن حجمه أو شكله أو عرقه، لقد بدأ سيناريو الرعب يتسرب إلى كل مكان، اليمنيون اليوم يقتلون بعضهم، اليمنيون اليوم يتجهون ووطنهم نحو الدمار والانهيار.. أين صوت العقل والحكمة والمنطق، أين التنازلات والتضحيات التي تحقن دماء اليمنيين وتصون كرامتهم، ما هذا الهراء الذي تعيشه الأحزاب السياسية التي ستقود الوطن والشعب إلى هاوية خطيرة لانهاية لها، على جميع الأطراف تقديم التنازلات المرضية والمقنعة، التي تنبع من الحرص على دماء اليمنيين ومشاعرهم.
ومازلنا نعلق أملنا بعد الله تعالى على المساعي الخليجية، والتي لابد أن تستمر مهما كانت الظروف والمواقف، وما اختلف فيه يتم مراعاته وإعلانه حتى يكون اليمنيون على بينة مما يجري.
إن اليمن اليوم تشهد تاريخاً مؤلماً للغاية، اليمنيون الذين وصفهم الرسول الكريم بأنهم أرق قلوباً وألين أفئدة، يجبرهم اختلافهم على معاكسة ذلك، لا ندري إلى أي مصير نمضي، الوضع اليمني يحتاج إلى مصارحة الأنفس ومكاشفتها من قبل من بأيديهم تحديد مصير اليمن واليمنيين، يحتاج من هؤلاء إلى خلوة مع الله ليلهمهم ويمنحهم الصدق، الذي يتقوى بالزهد عن هذه الدنيا الفانية التي شهادة التخرج منها خرقة بيضاء، وحفرة تأوي المتخرج القادم على عالم آخر، فلا مال ولا ولد ولا حبيب أو مؤنس غير ما قدم ابن آدم لنفسه، في مثل هذه اللحظات الصعبة التي يتحكم بها المتصارعون على الساحة اليمنية، تكون التوبة والإنابة والزهد، في مثل هذه اللحظات تحضر الرحمة والإنسانية وينكسر الغرور والتسلط، ويستيقظ نداء الحب للوطن والشعب نداء الحب للبسطاء والمساكين الذين لا يريدون أكثر من الأمن والسلام والحياة الكريمة التي يجب أن يحضوا بها كحق من حقوقهم لا فضلاً أو منة من أحد.
إن التوتر والاحتقان الذي لم يعد سياسياً أو اجتماعياً، وأصبح قبلياً وثأرياً، يجب أن تطفئه حكمة العقلاء، القبائل اليمنية العريقة التي تتميز بالنخوة والكرامة والمبادئ السامية هي الأخرى لها الدور الكبير في مشروع إنقاذ اليمن واليمنيين من نتائج ومعطيات الأزمة الراهنة، لابد أن يطغى صوت العفو والتسامح على صوت الغيرة والانتقام وبما يرضي الجميع، اليمنيون في هذه اللحظات رجالاً ونساءً وأطفالاً يناشدون كل المعنيين حكومة ومعارضة ومعتصمين ومشائخ، يناشدون كل من لهم صلة بما يحصل على الساحة اليمنية دمائهم وأعراضهم وأمنهم.
أبناء اليمن الطيبون يعولون كثيراً على المختلفين، ويثقون بأنهم أغير الناس على أبناء شعبهم، مرة أخرى المساعي الخليجية لابد أن تنجح، وهذا مرهون على فرقاء المشهد الراهن ومدى حبهم وولائهم لهذا الوطن الذي منحهم الكثير.
اليمن الحبيب وشعبه الطيب في انتظار بشائر نجاح التشاور الخليجي مع من على عاتقهم تقع مسؤولية اليمن واليمنيين، للتحقيق الصادق والأمين لما ينشدونه وفي مقدمة ذلك الانتقال إلى الأفضل لا إلى ما سينتجه اختلاف الفرقاء ويهديه إلى هذا الشعب، الذي بات فعلاً مظلوماً مغلوباً على أمره، لأشقائنا في الخليج تحية الشرف والإكبار من كافة أبناء اليمن، كما نناشد القبائل والأطراف المتنازعة التي تعيش توتراً وتعد للحظات خطيرة بسبب الدماء الزكية التي سالت وغير ذلك ونقول لهم: أنتم أشرف الناس وأوفاهم وأعرفهم بما يخدم وطنكم وينفع شعبكم، فبحكمتكم سيدين الشعب لوفائكم وسيدون التاريخ أسمائكم وأسماء كل من قهروا هذه الأزمة التاريخية وتغلبوا عليها وحققوا للشعب ما ضل يصبوا إليه في أنصع صفحات الوفاء والحب للوطن والأمة، حمى الله اليمن وحفظها.. والله المستعان.
aldahiad@yahoo.com
محمد أمين الداهية
نداء البسطاء إلى الفرقاء 2362