;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

عبقرية الشخصية اليمنية كما تصورها ساحة التغيير 2863

2011-04-19 10:49:17


عندما يتجول الزائر في ساحة التغيير ويرى نقاشات الشباب وإبداعاتهم ويلحظ منتديات الفكر والثقافة والعلم والسياسية والفن تملأ أرجاء الساحة ومحيطها ويسمع رجالات الفكر وأساتذة الجامعة وهم ينشؤون المنتديات التخصصية والنوعية ويلحظ الشعراء يلقون الشعر على البديهة والمنشدين والمغنين وصور الزعماء اليمنيين بمختلف انتماءاتهم الفكرية وألوانهم الثقافية، فيرى نفسه في حديقة يمنية فكرية وثقافية وفنية، ويدرك عمق التشويه الذي تبناه نظام صالح للشخصية اليمنية وخطورته.
 فقد عمد ذلك النظام وفق خطة ممنهجة للصق التهم الكاذبة والجائرة باليمن، من خلال رسمه الممنهج والمنظم لصورة ذهنية بشعة للإنسان اليمني ومزرية بالقبيلة اليمنية لدى الأشقاء والأصدقاء، وهو الأمر الذي أثر سلبا على مكانة اليمن واليمنيين، وذلك ليوحي النظام إلى أشقاء اليمن وأصدقائه أنه صمام أمان اليمن، وأن مشائخ اليمن وحكماءه وقادة الرأي فيه ثعابين، وأن تنظيم القاعدة يوشك أن يأخذ عددا من المحافظات، وغير ذلك مما عمل النظام على صناعته وترسيخه في الذهنية الإقليمية والدولية عن اليمن واليمنيين.
فماذا صنعت الثورة الشبابية لأجل اليمن؟
إن الشعب اليمني -إنساناً وحضارة، ومجتمعاً وقبيلة، وفئات وأفراد- يجني ثمار هذه الثورة الشبابية المجيدة الآن..
* بروز الشخصية اليمنية المدنية المتحضرة إلى الواجهة:
الأمر الذي أصبحت معه الشخصية اليمنية محط الاهتمام العالمي، تسلط عليها الأضواء الإعلامية، وأخذت الأنظار تستجلي الجوانب الإيجابية الأصيلة في الشخصية اليمنية، وأنها مدنية الأصل، حضرية النشأة، حضارية المنبع، وأن الذات اليمنية تحمل معها جينات الحكمة مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان"، لقد غسلت هذه الثورة وجه اليمن الجميل الرائع البهي.
إن هذا الإنجاز الكبير والعظيم يستحق الوطن اليمني الحبيب أن نعتصم لكي نعيد لليمن مجدها، وجه اليمن الذي عمل هذا النظام طيلة أكثر من ثلث قرن على تشويهه وتخويف الناس به، فعمد إلى إظهار اليمن بصورة مشوهة، واليوم يقول هذا النظام إن الشعب كله عميل، وأن الشباب تجار مخدرات، فقل لي بربك أيها القارئ الكريم: هل يمكن أن يقبل مطار في العالم الجواز اليمني إذا كان النظام فيه يتهم ملايين من الشباب بأنهم تجار مخدرات؟، فهل نتوقع أن ترحب دول العالم بالعامل اليمني.
لقد أثبت المعتصمون أن الشباب اليمنيين ليسوا خونة لبلادهم، بل هم الوطنيون الحقيقيون الذين يمثلون الشخصية اليمنية الحقيقية التي تحافظ على المنشآت العامة والخاصة في اعتصامها ومسيراتها، وهم يتلقون الرصاص الحي بصدور عارية، ويتساقطون شهداء وهم يقدرون على الرد، فيعانقون الموت، وهم يهتفون سلمية سلمية، ولم يصدر عن الشباب أي فعل يناقض توجههم السلمي، بل وصل الحال أن يرمون الورد على من يرميهم بالرصاص، فأدرك العالم بعينيه أن اليمن هو ركن الأمن في العالم كله، وهو حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي والدولي.
لقد أثبتم أيها الشباب الأحرار وأيتها الشابات الحرائر للعالم كله أن شباب اليمن هم الشريك الحقيقي مع الأصدقاء والأشقاء، وأن شباب الثورة هم صمام الأمان للاستقرار والأمن في اليمن ومحيطه الإقليمي والدولي، وأنهم قادرون على جعل اليمن عضوا فاعلا بين أشقائه وأصدقائه، وأن شباب الثورة هم الجديرون بالثقة من القريب قبل البعيد، ومن الداخل قبل الخارج.
لقد أعطيتم العالم درساً في قدرة الشباب اليمني على الصمود والمواجهة والثقة في هذه الذات ومواقفها فلم تختلط عليكم الأوراق، ولم تنزلقوا إلى تصديق المبادرات لا من النظام ولا من غيره، فلم تسمحوا لأحد أن يزج بكم في لجان الحوار، ولجان التهيئة للحوار، وكنتم على ثقة أن تجريب السم حرام، ولا يقترفه عاقل.
بروز العقلية اليمنية الناضجة:
فمنذ البدء كان الهدف واضحاً لدى الشباب، فحين كانت الأحزاب التي تسمي نفسها معارضة تتلكأ تقدم رجلا وتؤخر أخرى، أو تتبنى مطالب الثورة الشبابية بخجل، كان الشباب يطالبون بإسقاط النظام، وبرحيله بصوت مسموع، الأمر الذي جعل المعارضة تتبع الشباب لاحقا.
وليس صحيحاً ما يروجه النظام أنه كلما قدم مبادرة ارتفعت المطالب، فلم يكن للشباب سوى مطلب واحد ـ وما زال ـ منذ يومهم الأول وهو الرحيل، وهذا الملحظ المهم يدل على نظرة ثاقبة لرفض الترقيع الذي مارسته القيادات العتيقة الذي تعوده النظام معها، فكنتم أنتم بعقليتكم الناقدة أكثر إدراكا لمتطلبات المرحلة، وأقدر على القيام بواجباتها.
ومن عقليتكم الناقدة أنكم مدركون تماما أن العمل السلمي هو الذي سيمحو الاستبداد ويزيله، وأن تجريب المجرب خطأ والتصحيح بالملوثين خطأ مرتين، وهي الحكمة التي قالها الرئيس الشهيد/ إبراهيم الحمدي- رحمه الله، وعملتم بمقولته الرائعة: "العمل بصمت والنتيجة المشرفة بدون ضجيج".
ومن عقليتكم الناقدة أنكم رفعتم علم اليمن ونداء التغيير في اليمن كله؛ فأثبتم للعالم كله أن العقلية اليمنية عقلية علمية ناقدة من الطراز الرفيع الذي يحدد إطاره قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والفقه يمان".
ومما يدل على العقلية الناقدة أنكم لم تنخدعوا بالمبادرات لا التي يقدمها المشترك ولا التي يتقدم بها النظام، وهو أمر أدهش العالم في تقييمكم لمرحلة كاملة من تاريخنا المعاصر، إنكم أكثر إدراكا ممن استمروا يلدغون من نفس الجحر منذ ثلاثين عاماً، فكنتم أعقل ممن شابت رؤوسهم حين أعلنتم أنكم لم تفوضوا أحداً للحديث عنكم، ومن يتحدث بدلاً عنكم فإنما يمثل نفسه، وأن مطلبكم واضح هو الرحيل الفوري، وأن بقية القضايا تناقش بعد الرحيل الفوري، وغير سابقة له بحال من الأحوال.
وظهرت العقلية اليمنية المبدعة التي أنشأت الائتلافات والتجمعات وحركات التحرر، وتنشئ الفرق الفنية بجوار المنتديات التخصصية، ويشترك في صناعة الغد والتفكير فيه كل أطياف المجتمع، عقلية تبدع الفن، وتدير الحوار، وتتدارس المشكلات وتبدع لها الحلول، ولا تقف عاجزة تنتظر المساعدة، بل تبتكر الوسائل والأداءات وتبدع الأدوات النضالية السلمية في صورة أدهشت العالم، ولك أن تزور المعرض الفني المفتوح والدائم لتدرك أنك أمام حالة حضارية فريدة تتجلى فيها إبداعات الشخصية اليمنية المتحضرة.
كم كان نظام صالح جائراً وقاسياً وهو يقدم الإنسان اليمني على أنه بربري قبلي، أي أنه يعيش مرحلة ما قبل الدولة، وهو يردد بمناسبة وبغير مناسبة الشعب اليمني قبائل، وكأن اليمن لا يعرف الحضارة والدولة وهو الشعب الحضاري منذ عشرة آلاف سنة.
لقد عمد النظام إلى تسويق تلك الصورة البائسة عن اليمن، مما حدا بالعالم للقلق من جهة اليمن، فجاءت ثورتكم أيها الشباب لتوضح للعالم أن الشباب اليمني يحمل من القدرة والنضج والإبداع والنقد بحيث لا يتقلب في مواقفه، ولا يتردد في مطالبه، وأنه يعرف ما يريد بدرجة كافية للثقة فيه كبديل كامل الأهلية للتعبير عن اليمن، وهذه الأهلية ليست كلمة تقال بل عمدت بالدماء، وليست كلمات تقال بل قوافل من الشهداء تقدم لكي يرى اليمنيون النور، ولكي ينعمون بغد مشرق يليق بهم.
ولم يتلفت الشباب عن غايتهم فقد أدركت العقلية اليمنية الشابة أن المشكلة اليمنية لها حل موجود هو رحيل النظام ولا حل سواه، فأدهش الشباب اليمني العالم بذكائه، ولم يفق دهشت العالم بذكاء الثورة الشابة إلا إصرار شبابها على الاستمرار في الاعتصام؛ فهاهم يبنون على خيامهم ومخيماتهم بالطوب حتى لا يدخل المطر إليها، إنهم يبنون يا من يراهنون على رحيلهم، أو يخدعون أنفسهم بأن يصيبهم الملل.
إنهم شباب لا يملون؛ لأنهم ينطلقون إلى الحياة، تجدهم يغنون للوطن، وينشدون للثورة، ويصنعون المسرح في الهواء الطلق، ويمارسون هواياتهم المتنوعة، ترتسم البسمة على شفاههم، ويقتسمون المكان والزمان سواسية ويسيرون جنباً إلى جنب لإسقاط النظام يداً بيد، والمراهنة على مللهم ضرب من الخيال، أو نوع من الأماني الكاذبة، قال أحد الشباب: لقد تعودت على النوم على الرصيف، وكيف أصنع إذا نجحت الثورة.
إذا نجحت الثورة، فستروي ذكرياتك لأولادك، وأحفادك، وستقول لهم بملء فمك: إننا طهرنا اليمن من الاستبداد دون أن نحمل السلاح، وناضلنا بالسلم دون أن نريق قطرة دم، وأننا هتفنا سلمية سلمية حتى رحل النظام، ونمنا على الرصيف لكي يسعد اليمن، وأطفال اليمن، ولكي لا يأتي قناص بعد اليوم يقنص روح الآباء، وصمدنا جميعاً وتداعى أحرار اليمن ليأخذوا لبنت الشهيد حقها وهي تهتف باكية: يرحل قاتل بابا.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد