بقلم تشارلز شميت
فرق تسد، هذه هي الإستراتيجية التي عمل بها علي عبد الله صالح لمدة 33 عاما حتى يبقى على قمة الهرم السياسي اليمني المتنوع. لكن الجهود التي يبذلها الرئيس اليمني للحفاظ على بلاده في حالة من العصيان الجزئي هي أيضا جذور للمشاكل الراهنة.
إن الفوضى تسمح لصالح بجعل السياسات شأنا أسريا من أجل الحفاظ على مقاليد الحكم في أيدي أبنائه وأبناء أخوته. وحتى الوسائل القديمة لا يبدو أن نافعة بعد الآن، فالحرب الأخيرة ضد الانفصاليين في الشمال وحركة العصيان المدني الضخمة في الجنوب قد أظهرت ذلك بالفعل، حتى قبل خروج مئات الآلاف من اليمنيين إلى الشوارع للمطالبة بالإطاحة بالرئيس صالح.
وبسفك الدماء مؤخرا وانشقاق أقوى قادته العسكريين أأوالكشف عن أن الولايات المتحدة ودول الخليج العربي يسعون بهمة إلى خروج سلمي لصالح من السلطة، من الواضح أن الرئيس قد دفع بهذه الإستراتيجية بعيدا جدا. فبدلا من تقسيم المعارضة، تمكن صالح من توحيدها ضده.
لا يمكننا أبدا استثناء صالح، ربما أنه وصل إلى نقطة التحول في 4 أبريل عندما تم قتل على الأقل 12 متظاهرا في مدينة تعز على أيدي قوات الأمن الموالية له.
فقط عندما يبدو أنه سيستعيد القاعدة السياسية، تتدفق إراقة الدماء البريئة مما يترك انطباع لدى الكثيرين بأن الرئيس قد فقد السيطرة. فالمظاهرات الضخمة كانت هي الرد من المعارضة والمتظاهرون في الشوارع وجزء كبير من الجيش بقيادة اللواء علي محسن الأحمر وحركة الحوثي الشمالية والحراك الجنوبي. والأهم من ذلك، قرار داعمي النظام الخارجيين بمطالبة صالح بالتنحي فورا وليس بعد مفاوضات قد تطول شهور كما كانت تأمل واشنطن.
قد يقول البعض إن الولايات المتحدة انتظرت طويلا. لقد دعمت واشنطن صالح لعدة سنوات لأنه كان على استعداد للتعاون مع إستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب، وهو ما يفسر خوفها من الفوضى بعد رحيل الرئيس.
مع ذلك يمكن القول إن تهديد الوحدة الوطنية يفرضه استمرار صالح في الحكم. ويحاول صالح تقسيم المعارضة من خلال التفاوض مع الجناح الديني وصد الجناح القبلي في حزب الإصلاح المعارض.
وفي سبيل ذلك، حاول صالح إعادة التحالف الذي قاد إلى حرب 1994 الأهلية في اليمن، الذي حشد التقليديين وبعض الجماعات السياسية الإسلامية ضد قيادة الجنوب الاشتراكية. كما حشد صالح نفس الجماعات ضد حركة الحوثي الشمالية في عام 2004.
الآن يعرف صالح المراوغ تمام المعرفة أن هذا التكتيك لم يعد قادرا على شق صف المعارضة بإثارة الشكوك حول الحركة الجنوبية، الضحايا الرئيسيين من حرب 1994، والحوثيين، الذين كانوا إلى وقت قريب يحاربون الإصلاح فقط.
بسقوط صالح، يعتمد مستقبل اليمن القريب على قدرة المعارضة في حفاظها على تماسكها وانخراطها في مفاوضات سياسية جادة، والتي لن تكون سهلة نظرا لماضيها.
قبل يوم من أعمال القتل في تعز، قال زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي إن الوقت لم يعد إلى جانب صالح. وقال الحوثي إن المفاوضات والعديد من المقترحات للإصلاحات والحكومات الانتقالية وتقاسم السلطة بين أحزاب اللقاء المشترك والحكومة كل ذلك سمح للرئيس صالح باستغلال الانقسامات في صفوف المعارضة.
لقد انتقدت توكل كرمان، إحدى أهم الناشطات في حركة الاحتجاج، بقوة آخر مقترح تقدمت به أحزاب اللقاء المشترك بموجبه ينقل الرئيس صالح سلطاته إلى نائبه وتشكيل حكومة وحدة وطنية ترأسها المعارضة وإعادة هيكلة قوات الأمن في إطار "مجلس عسكري انتقالي".
لكن كما أشارت كرمان، فإن المقترح لا يأخذ في الاعتبار آراء الحراك الجنوبي والحوثيين أو المتظاهرين في الشوارع، وهي الجماعات التي تحتاج إليها على وجه التحديد أحزاب اللقاء المشترك لمواجه صالح بنجاح.
إن الانتصار العسكري للحوثيين في الشمال واستمرار حركة العصيان المدني على نطاق واسع في الجنوب قلصت لعبة المشترك البرلمانية التي لم تعد وثيقة الصلة بحركة الشارع.
وفي المقابل، أحزاب اللقاء المشترك كانت مرفوضة من قبل المتظاهرون في الشوارع ومعظمهم من العاطلين عن العمل وبعض القبائل وطلاب جامعيون.
لقد أظهر الشارع أنه لا يمكن تجاهله: في بداية مارس، عندما قبلت أحزاب اللقاء المشترك في بادئ الأمر بمقترح صالح بالتفاوض للتوصل إلى حل، أجبرت الاحتجاجات أحزاب اللقاء المشترك على الخروج من المفاوضات.
والآن أقامت أحزاب اللقاء المشترك علاقات مع الحوثيين والانفصاليين في الجنوب وامتدت إلى حد ما إلى المتظاهرين في الشوارع الذين مكنوا أحزاب المشترك من تشكيل جبهة قوية ضد الرئيس، لكن ذلك يعتمد إلى حد كبير على شركائهم الجدد. فبدون المتظاهرين في الشوارع، فأحزاب اللقاء المشترك هم أقل من مجرد ذيل للنظام.
السياسات اليمنية المتنوعة ليست بالضرورة هي العائق. لعل الإنجاز البارز للمظاهرات في الشوارع هو أنها حشدت جماعات كانت حتى وقت قريب تقتتل ضد بعضها البعض أو على الأقل ترفض الحديث إلى بعضها البعض، والآن هم متضامنون ضد نظام الرئيس صالح
كل جماعة تعرف أنه لا يمكنها الحكم بمفردها وإن مصالحها السياسية والاقتصادية ستكون متضررة جراء الانهيار الكامل للدولة المركزية. إن الحكم الذاتي المحلي للحوثيين في الشمال وكذلك إلى حد ما للجنوبيين هو الآن حقيقة سياسية. فالخطوة التالية هي الحفاظ الطابع المؤسسي وإضفاءه على الحوار والتنسيق لإبراز نوعا من التوازن بين الحكم الذاتي المحلي والدولة المركزية. إن مستقبل اليمن يعتمد على ذلك.
لم يحصد تحالف المعارضة مكاسب كبيرة: فقوة المظاهرات في الشوارع قد ساعدت في تعزيز مشاركة الحوثيين في الحوار السياسي الوطني وإقناع الحراك الجنوبي بإسقاط مطالبه الانفصالية على الأقل مؤقتا.
إن مبادرات صالح لإيجاد حل سياسي للأزمة الراهنة لم تعد معقولة. لقد دعا إلى الانتقال السلمي للسلطة على أساس احترام سيادة القانون والدستور اليمني. وأعرب عن دعمه لحكومة من المعارضة ووضع دستور جديد ونظام برلماني وتشكيل لجنة انتخابات جديدة ووجود فترة انتقالية قبل إجراء انتخابات جديدة.
مع ذلك فإن الأعمال الدموية في تعز قد أضرت بمصداقية الرئيس. ويخشى قادة المعارضة من أن صالح يستخدم هذه المبادرات لكسب الوقت، على أمل تقسيم المعارضة الهشة. وردا على ذلك، تطالب المعارضة بضمانات لتغيير سياسي حقيقي ودائم.
الآن معظم الأمور تعتمد على مفاوضات ما بعد أحداث تعز، المستمرة بأشكال مختلفة، إضافة إلى مهارة المعارضة اليمنية.
السفير الأمريكي في صنعاء والاتحاد الأوروبي والآن السعوديون انضموا إلى القوى التي تتوسط بين الرئيس والمعارضة. فيجب على هذه الأطراف الدولية الفاعلة أن تكون حذرة من إغراء مستبد آخر
فعلى الرغم من أن أي حكومة ضيقة الأفق قد تبدو قوية في المدى القصير، لكنها ستكون ضعيفة على المدى البعيد.
إن إجراء انتخابات مبكرة سيكون حاسما في استعادة الاستقرار السياسي.
جميع الأطراف السياسية اليمنية الفاعلة يشعرون بالقلق من بعضهم البعض، لكنهم جميعا متفقون على أن الانتخابات هي الوسيلة الشرعية لتوزيع السلطة.
كما يجمعون على شيء واحد: لا يمكن الوثوق بصالح في إشرافه على نقل السلطة بشكل عادل.
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
من هم المعارضة اليمنية؟ والأهم من ذلك، هل سيبقون معا بعد تنحي علي عبدالله صالح؟ 2881