تجاهلت كثيراً الحديث عن المعارضة وعن بعض الأصوات الشاذة درءاً للفتنة وعدم رغبتي أن أكون من تلك الأصوات التي تشق صف الشارع وتبحث عن الاختلافات لتأججها وتسعر شراراتها، رأفة بشباب الثورة الذين تتقاذف أحلامهم وطموحاتهم عقلية قديمة أكل عليها الدهر وشرب، لكن الواقع تجاوز حدود الصبر، المعارضة التي كلما بحثت عن أفضل ما فيها تفاجئني بأنها ليست إلا كما هي، بأيديولوجيتها وسياستها، لم تعترف للحظة بالمرحلة الجديدة التي تعايشها.
أنا لا أعلم أين هي اليوم من الشارع؟! أهي من يقبل المبادرات ويحاور باسم الشعب تحت مسمى أزمة النظام مع المعارضة، أم هي في صفوف الثوار وما يقرر في الساحات يأتي عليها قبولاً ورفضاً تحت مسمى ثورة شعب؟، أنا لست أردد ما يقوله البعض، لأن المعارضة قد أَضرت بالثورة كثيراً.
أنا لا أنكر أن للمعارضة الكثير من المنتسبين لها والأنصار من الشباب والذين هم في الشارع، لكن في المقابل هناك الكثير من الصامتين والمتخوفين من الانضمام للثورة بسبب المعارضة وذلك من خلال الحملات الإعلامية للنظام وأنا أبرئ المعارضة تماماً من تلك التهم الباطلة التي يحاول النظام إسدال الستار على جرائمه بتلفيقها بالمعارضة، لكنني لا أبرئها حينما أقول أنها أصبحت حاجزاً يوقف عجلة الثورة والتغيير، من خلال إيهامها العالم بتلك الصورة المغلوطة عما يحدث في اليمن وكأنه صراع بين المعارضة والنظام، وهذا ما عملته من خلال تلهفها المستمر للوصول للسلطة والذي جاء اليوم على حساب الثورة.
أنا لا أنكر حقها في الترشح والحكم، لكن هذا الحق غير مشروع حينما يتعارض مع مصلحة الوطن، الوطن اليوم ليس بحاجة لأحزاب تتنافس أو تصفي حساباتها مع الآخرين، هو بحاجة إلى قيادات، كفاءات تستطيع أن تأتي برؤية سليمة تحقق مطالب الشعب وتخرجه مما هو فيه بأقل الخسائر.
فعقلية المعارضة القديمة لم تستطع التعامل مع متطلبات المرحلة، وهذا ألقى بثقله على الثورة وأطال مخاضها في رحم الشارع، فهي سرعان ما تتسابق على دراسة المبادرات وكأن ما سمي بالأمة هي ما تعصف بالحياة في اليمن وما أن تتماهى هذه المبادرات مع الوعود والأكاذيب حتى تعود إلى عباءة الثورة، ألم يتساءلوا أين كانوا قبل الثورة؟ وماذا كانت مطالبهم؟.
نحن اليوم بحاجة إلى إسقاط كلاً من النظام وعقلية المعارضة، لسنا بحاجة إلى الاختلافات والانقسامات، والذي بات قوت المواطن وعشقه، حتى الشباب يبدو أن هذا الإرث قد وجد طريقه إليهم، وإلا فما جدوى تلك الائتلافات والتي لا يعلم عددها إلا الله، أما كان يكفي لجنة تنظيمية واحدة عبرها يتم الحوار باسم الشباب والتعبير عن مطالب الشعب؟.
أنا أعتقد أن الاعتصامات لم تقم من أجل تكوين الائتلافات ومزيداً من الأحزاب وإنما للثورة، دعونا ننشغل بتحقيق أهدافها وإبعاد من يحاول إنكارها، دعونا نفكر بمرحلة ما بعد إسقاط النظام؟.
فهناك الكثير من الأصوات الشاذة وقد وجدت اليوم منابر عدة تبحث من خلالها عن وطن، من لم يستوعب الوحدة إلى اليوم لا أظن أنه سيتعوب أي وطن ولو كان بحجم المدى الذي يحيط به، لأنهم قد ألفواالتمزيق والشتت، "ولا يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، نعلم أنه قد مورس ظلم ضد إخواننا في الجنوب، لكن الشمال والجنوب قد سقي من ساقٍ واحد وإن اختلف الكأس ومرارة الشراب، فالحقوق المسلوبة سوف تسترد والشراكة في الحكم مكفولة للجميع وبحسب الدستور والقانون.
أما الحديث عن الانفصال، فهو خيانة لدماء شهداء الثورة، والتخندق بخندق الحزبية والانتماءات الطائفية جريمة بحق الذين سقطوا شهداء وبحق الشعب الذين يواصلون اعتصامهم الليل بالنهار في الشارع وهم ينشدون التغيير.
فماذا سيحقق بسقوط النظام إن كان سيترك إرثه يعبث بعقلية الشعبة، وإن لم يستطع هؤلاء المتخندقون بالحزبية، المتمترسون بالانفصال أن ينضج وعيهم قليلاً، الوعي بالمدنية والاعتراف بالآخر وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الأخرى، وخلق أفكار جديدة تتعامل بإيجابية مع متطلبات المرحلة لتناسب العصر وتحدياته، وإن لم يتغيروا، فسيُغيروا، لأنه من يناضل اليوم في الساحات ليسقط نظاماً عمره "33" عاماً، لن يعجزه جماعة أو أخرى تتسلق على حلم الشعوب وطموحاتها.
بشرى عبدالله
الإرث القديم 2030