منذ أن وضعت الأقدار علي عبدالله صالح على رأس السلطة العليا في البلاد عام 1987م ونحن نعيش تحت إمرة رئيس دولة عسكري لا مدني، لا يفقه في الحياة المدنية شيئاً.
ومن أجل ذلك قام بعسكرة الدولة بأكملها ولم يترك وزارة أو مصلحة أو هيئة أو مؤسسة أو جامعة إلا وزع فيها المئات من العسكر والمخبرين الأمنيين ما يضمن له البقاء في السلطة أكبر قدر ممكن من الزمن من خلال الولاء من قبل أولئك العسكر بكل انتماءاتهم الأمنية والعسكرية والمخابراتية والجواسيس الذين يتولون حراسة كرسي السلطة من خلفه والانتباه لما يجري داخل كل مؤسسة أو هيئة أو وزارة من أقاويل وحكايات وأخبار عن كل صغيرة وكبيرة وإحاطة الجهات العليا بذلك أولاً بأول.
دأب الرئيس على الاعتماد على زمرة من موظفي الجهاز الأمني بلباس مدني والمغلف بالجهل والأمية في إدارة البلاد وسلخ العباد، وكان جهله واعتقاده بأن هؤلاء إنصاف المتعلمين والأميين من منتسبي الأمن والقوات المسلحة هم الضمان الوحيد للمحافظة على نظامه العسكري الهش.
حيث تولى قيادة المؤسسات والهيئات والمصالح أشخاص من هؤلاء الجهلة الأمنيين الذين لا يستطيعون نطق كلمة واحدة باللغة العربية السليمة، حيث سيطروا على كل مفاصل الدولة ولكن بلباس مدني ومن ثم بدأ الرئيس يعمم هؤلاء العسكريين الأمنيين والمخبريين الأمنيين في السفارات اليمنية والقنصليات في جميع دول العالم وهم بالمئات، فلا توجد سفارة يمنية واحدة أو قنصلية إلا وفيها عشرات من الموظفين الأمنيين المزروعين داخل السفارات ولكن بتسميات متعددة ووظائف مختلفة، وبدلاً من اختيار أشخاص من ذوي الكفاءات العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية في أعمالهم ومهامهم بحيث يمثلون اليمن أفضل تمثيل أصبحوا بجهلهم يمثلون اليمن أسوأ تمثيل بغبائهم وجهلهم وأميتهم وثقافتهم المعدومة وكل وظائف هؤلاء ومهامهم تنحصر في رفع التقارير الأمنية والمخابراتية على موظفي السفارة بمن فيهم السفير والطلبة الدارسين والجاليات اليمنية المتواجدة في الخارج ويتسلمون عن هذه التقارير مئات الالآف من الدولارات على مدى ثلاثين عاماً.
ومن هؤلاء الجهلة وأنصاف المتعلمين عممهم الرئيس صالح على كثير من الأماكن وعينهم قيادات عسكرية وأمنية واستخبارات فتحولوا إلى أباطرة ونهابة ولصوص واستولوا على المعسكرات والمحاور والأجهزة الأمنية فأثروا فيها ثراءً فاحشاً، حيث استولوا على الأراضي الخاصة بالدولة والخاصة بالمواطنين في كل المحافظات التي عينوا فيها، كما تحولوا إلى تجار ومستثمرين ومقاولين وهم قادة أولوية أو وحدات عسكرية أو أجهزة أمنية واستخباراتية وأصبح لديهم شركات وتوكيلات وسجلات تجارية وهؤلاء هم خريجو مدرسة نظام فاشل.
أما أبناء الوطن المخلصين من الأوفياء والمتعلمين والمثقفين والمؤهلين في مجالات تخصصاتهم سواء كانوا من العسكريين أو من المدنيين فقد دأب الرئيس على تجاهلهم وتهميشهم واستبعادهم من أي وظيفة عامة أو عسكرية وذلك بناءً على توصيات من الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وقد أختار الرئيس المثقف القادة العسكريين من أهل العزم والمغاوير في الجهل والأمية من قبائل شتى من أشباه المتعلمين وأشباه الأميين دون أن يحصلوا على أية مؤهلاء علمية أو عسكرية أو دورات تدريبية في المجالات العسكرية وأصبحوا قادة محاور وقادة ألوية وليس لديهم أي خطط أو دراية بالعلوم العسكرية أو الخطط والاستراتيجيات أو التكتيك العسكري وإنما هم عبارة عن أشخاص مقربين أنعم عليهم بمناصب قيادية مثل تمثال أبو الهول لنهب مدخرات وصرفيات المعسكرات ونهب مدخرات الجنود وبيع الأسلحة لشراء الأراضي وبناء القصور ولدينا شواهد كثيرة على ذلك البذخ.
وحينما يواجه قائد المعسكر موقفاً عسكرياً معيناً كدخول معركة من المعارك فإنه يهزم من أول مواجهة لأنه ليس أهلاً للحرب أولديه خبرة أو كفاءة عسكرية إنما مهمته الأولى هو الحصول على الرديات المالية والاستيلاء عليها ومن ثم المتأجرة بها وتحوّل المعسكر الذي يديره إلى مصدر للفساد وهؤلاء هم قادة النظام وخريجو مدرسته العليا.
د/ عبدالله الفضلي
ثلاثة عقود من الجهل والعسكرة 1909