في 21/مارس/2011م قال نائب مستشار الرئيس/ أوباما للأمن القومي الأميركي: إن أمر تغيير النظام في اليمن لا يهمنا"، وبعده قال وزير الدفاع الأميركي "جيتس": إن إدارته تخشى من تسلم سدة الرئاسة شخصية ضعيفة، ثم تحدث الناطق بلسان البيت الأبيض عن ضرورة وجود جدولة لتنحي الرئيس/ صالح.
وفي 30/مارس/2011م نشر "جيرمي سكايل" في مجلة "ذاناشيونال" -ترجمة وتصرف عبدالحكيم هلال- صحيفة المصدر 5/4/2011م- تقريراً حول "لعبة الولايات المتحدة الخطرة في اليمن" قال فيه: وأثناء الفحص الميداني للسفارة الأميركية في صنعاء اكتشف المفتش العام لوزارة الخارجية الأميركية بأن تلك العناصر العسكرية المتواجدة في مقر السفارة والتي تزداد على نحو مضطرد كانت جزءاً من نشر جنود المشاة الأميركيين في اليمن، بل يؤكد التقرير أنه ومنذ أواخر يناير2010م شاركت قيادة العمليات الخاصة المشتركة بأكثر من "24" هجوماً برياً في اليمن، ويخلص التقرير إلى أن الرئيس/ علي عبدالله صالح لعب بورقة "تنظيم القاعدة" و"الحوثيين" بحذاقة مقابل حصوله على الدعم المالي والسياسي دون إعارته إي اهتمام لسيادة دولته.
وفي 5/أبريل/2011م قال المتحدث باسم "البنتاغون": إن الإدارة الأميركية ستواصل منح الرئيس/ علي عبدالله صالح المساعدات العسكرية في إطار مكافحة تنظيم القاعدة.. والمهم في تقرير "سكايل" أن الإدارة الأميركية كانت تتعامل مع الرئيس/ علي عبدالله صالح وهي تعرف أنه يكذب عليها ويخدعها.
وفي الضفة الأوروبية تشكل الموقف السياسي بسرعة ملخصة كان بدعوة الرئيس/ صالح للتنحي عن السلطة الآن وفوراً وبدون مماطلة وذهبت هولندا إلى اتخاذ قرار بوقف تعاونها مع حكومة "صالح" وهذا الموقف هو نقيض جذري لموقف الإدارة الأميركية حتى هذه اللحظة.
ومجمل هذه التصريحات في وقت وصول الانتفاضة في اليمن إلى ذروتها يثير أسئلة هامة ومنها: ماذا نفهم تحت هذه التصريحات، خاصة الإعلان عن استمرار تقديم الأسلحة لنظام الرئيس/ صالح؟ وهل ستفرض الانتفاضة موقفاً أميركياً حاسماً لمصلحتها؟.
نحن نعرف أن سياق هذه التصريحات نابع من سلسلة المواقف السياسية الأميركية تجاه التطورات السياسية المفاجئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبروز الإسلام السياسي كمكون رئيسي داخل هذه التطورات.
إن الإدارة الأميركية هي صاحبة "مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ا لذي أطلقه "كولن باول" وزير خارجية أميركا في الفترة الأولى لحكم الرئيس/ بوش الابن وهو قائم على هدف وحيد هو "رفع اليد الأميركية الداعمة للأنظمة الديكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" وتحقيق التغيير السياسي الجذري لتطبيق مبدأي "الحرية والديمقراطية" غير أن الإدارة الأميركية تخلت عن المشروع وانخرطت في الأعمال القتالية الميدانية في العراق وأفغانستان وباكستان وتركت الأنظمة الدكتاتورية تمارس هويتها في الاستبداد والفساد واحتكار السلطة عائلياً.
وحينما تحركت الرمال في تونس ومصر وما نجم عنهما كانت الإدارة الأميركية "مرتبكة" سياسياً وشلت دبلوماسيتها الخارجية وهي الآن تجني ثمار زرعها الأرض السياسية حنظلاً.
والترجمة لموقف الإدارة الأميركية المكثف بتلك التصريحات هو أن الإدارة الأميركية تزدري النخبة الثقافية والسياسية والعسكرية اليمنية، بحيث أنها لم تجد من بين هذه النخبة من يصلح أن يكون شريكاً لها، وبنفس الوقت فإن الدولة الديمقراطية لا تحبذ التعامل مع دولة مؤسسات، بل تحبذ التعامل مع الفرد-العائلة، لأن ذلك يرضي مصالحها القومية.
وفيما يتعلق بالعبث بالسيادة الجغرافية والسياسية، فقد وجدت من يسلمها لها مقابل مبالغ مالية زهيدة والبقاء في السلطة، حيث لم تعر أي اهتمام لبشاعة عملياتها العسكرية ضد سكان اليمن المدنيين الذين أزهقت أرواحهم في أبين وشبوة وأرحب ومأرب وصعدة وكأن هؤلاء عبارة عن "جرذان" ضارة يحق لها إبادتهم بدون مساءلة قانونية محلية ودولية، وهي بذلك تريد أن تكون اتفاقياتها العسكرية والأمنية المفتوحة والمتسمة بعدم الانضباط والمسؤولية السياسية والأخلاقية قيد الدراسة والتمحيص على طاولة برلمان مستقل وقوي وحازم.
والمشكل الأكبر أن الولايات المتحدة الأميركية التي يشاهد موظفوها المختصون المذابح الإنسانية في اليمن، لم تجد غضاضة في التصريح بأنها سوف تستمر بتقديم الأسلحة للنظام الحاكم كمساهمة منها في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ونحن نعرف أن هذا التصريح يحمل عدة أوجه هامة: ففي وجهه الأول يزرع في ذهنية الحاكم المزيد من المكابرة لمواصلة مواجهة الانتفاضة عسكرياً، وهو ما يؤدي إلى ارتكاب الخطايا الأكثر فداحة وفي الوجه الآخر قيادة أو دفع النظام إلى دائرة المحكمة الجنائية الدولة وفي وجه آخر صب زيتاً جديداً إلى ساحات الانتفاضة لكي تتسع قاعدتها الشعبية والفئوية، وفي الوجه الأخير وضع الحالة اليمنية على طاولة ما يسمى الجامعة العربية والتي ستقدم بعدئذ طلباً إلى مجلس الأمن للتدخل وحماية المدنيين وهكذا دواليك.
وجدير بالذكر فإن الأزمة اليمنية تدار من قبل السفير الأميركي بصنعاء الذي ينتقل بين مكتبه ومكاتب قيادة اللقاء المشترك وهو لا يهتم مطلقاً بقيادات شباب الانتفاضة ويساعده السفير البريطاني المهتم كثيراً بنقل السلطة إلى نائب الرئيس الذي يعمل منذ 2006م بدون قرار.
ويعتبر هذا النشاط الإقليمي والدولي تدخلاً سافراً وخطيراً لا يرتضيه اليمنيون.
عبدالرحيم محسن
الرسَالة الدولية.. 1893