جمهورية اليمن الشقيقة تعيش حالة لا نظير لها في عالمنا العربي، أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية وسياسية، بمعنى آخر اليمن ينهشه نظام الاستبداد وهدر كرامة الإنسان اليمني من قبل نظام الرئيس علي عبدالله صالح، هذا النظام منذ عام 1995 وعقب حرب الوحدة أصيب بمرض العظمة وراح يستبيح حقوق وممتلكات الناس الغائبين منهم والحاضرين تحت ذرائع لا يقبلها العقل، ووزعت تلك الأملاك غنائم خاصة في الشطر الجنوبي من البلاد على أتباع وأقارب وأنصار الرئيس عبدالله صالح، وكأنه يحاكي النموذج الصهيوني في فلسطين المحتلة، لم يقف الحد هنا بل تعداه إلى حرمان الكثير من الشعب اليمني في الجزء الجنوبي بعد قيام الوحدة عام 1995 من الوظائف القيادية، وسرح الكثير من قطاع الخدمة المدنية والعسكرية من وظائفهم دون أي أسباب، كل هذا حدث لصالح الأتباع والمحسوبين على الرئيس.
كثرت الشكاوى وتعددت المظالم مما حل بإخواننا في الشطر الجنوبي من تهميش وجحود لحقوقهم الطبيعية فيما يملكون، وحقوقهم في الوظائف بجميع درجاتها. مورست عليهم أقسى صنوف التعسف وهدر كرامة إنسانيتهم وحاولوا إيصال شكواهم إلى القائد الملهم عبدالله صالح عبر قيادات وطنية من أهل الجنوب ولم يجدوا مستجيبا، عمدوا إلى التظاهر والاحتجاجات المختلفة بالطرق السلمية، ووجهوا بقمع لا رحمة فيه. انتشرت بين الناس ظاهرة رفض الوحدة بين الشطرين وتعمقت جذورها وخرج قطاع كبير من أهل الشطر الجنوبي يطالبون بالانفصال والعودة لبناء دولتهم في اليمن الجنوبي وذلك ما نرفضه ونرفض الحديث عنه.
منذ خمسة أسابيع والشعب اليمني من جنوبه إلى شماله متحدين في رفض بقاء الرئيس علي عبدالله صالح في مركز القيادة، وهناك إجماع وطني على ذلك، لكن هناك فئة من الشعب اليمني ينتمون إلى الحزب الحاكم والقوى الأمنية بكل أشكالها بما في ذلك " فرقة البلطجية " لهم مصلحة ذاتية وليست وطنية في بقاء الرئيس في مركزه ولهذا فإنهم على استعداد لبث الرعب بكل أصنافه وآلياته في أنفس الشعب المجمع على رحيل الرئيس، تحجج الرئيس عبدالله بأنه حامي أمريكا وبعض الدول العربية من تنظيم القاعدة، والحركة الإسلامية وعند غيابه عن السلطة فإن تنظيم القاعدة سيجتاح جزيرة العرب ويلحق الأذى بالمصالح الأمريكية في المنطقة. أريد أن أقول إن تنظيم القاعدة في اليمن هو من إنتاج وتخطيط النظام السياسي القائم في اليمن وبزواله يزول خطر القاعدة عن المسرح سواء في اليمن أو الجزيرة العربية من البحر إلى البحر.
(2)
استيقظ مجلس التعاون الخليجي على ما يجري على الساحة اليمنية بعد مرور ما يقارب الأربعين يوما منذ اشتعال الأزمة بين الشعب وعلي عبدالله صالح وحزبه الحاكم. في تقدير الكاتب فإن استيقاظ مجلس التعاون جاء متأخرا جدا، بعد أن انفض من حول الرئيس الكثير من رجاله وقياداته العسكرية ورجال دين مستنفذين كالشيخ الزنداني وغيره، وشيوخ قبائل وأعضاء في السلك الدبلوماسي. الرئيس اليمني أمعن في سفك دماء شعبة ومعارضيه عن طريق القتل العمد، اشترى ذمم الكثير من العاطلين والانتهازيين وكوادر حزبه الرهيب وسيرهم في الشوارع ليهتفوا بحياته ويطالبون في بقائه في السلطة ويهدد بهم الشعب الزاحف إلى ميدان التغيير في العاصمة صنعاء وبقية المدن على امتداد جغرافية اليمن.
بعد هذا كله يأتي مجلس التعاون الخليجي ليطلب من النظام السياسي في صنعا ومعارضيه العودة إلى طاولة الحوار الوطني ويتم اجتماعهم في الرياض. بعض دول مجلس التعاون إن لم يكن كلها تعلم علم اليقين مناورات الرئيس علي عبدالله صالح وعدم صدقه وأنه لم يصدق معهم في مواقف كثيرة على مدار الثلاثين عاما الماضية. كان الشعب اليمني المقهور يتوقع من دول مجلس التعاون تعليق عضوية حكومة على عبدالله في كل مؤسسات مجلس التعاون كأداة ضغط على الرئيس وحزبه، كان الشعب يتوقع حض المانحين بوقف المنح المقررة لليمن حتى يرحل هذا النظام الفاسد. نعم كان الشعب يتوقع من مجلس التعاون أن يمارس الضغوط على الرئيس وإجباره للاستجابة لمطالب شعبه ويحضونه على الرحيل.
في ظل هذا الإرهاب المسلح الذي يمارسه الرئيس اليمني على شعبه وتزايد عدد القتلى بين المدنيين غير المسلحين المطالبين بحقوقهم المشروعة قد تتدخل الدول الغربية وأمريكا لإجبار عبدالله صالح على التنحي وتسليم السلطة لقيادة جماعية لفترة انتقالية وبذلك يخسر مجلس التعاون احترام الشعب اليمني لقيادات المجلس الذين لم يساعدونه في محنتهم مع الرئيس وحزبه.
إن الحل الأمثل اليوم في المسألة اليمنية هو الإصرار على رحيل النظام القائم بقيادة علي عبدالله صالح، وتشكيل حكومة انتقالية تتكون من قضاة عدل ومن قدامى القيادات السياسية اليمنية وبعض من مشايخ القبائل المتنورين على أن يكون همهم إعادة هيبة الدولة لا القبيلة، ولا تزيد مدتها على ستين يوما تجري خلالها تعديلات تلغي كل ما هو سلبي أو نصوص حمالة أوجه، والإعداد لانتخابات برلمانية نزيهة وشفافة بإشراف قضائي ومراقبين دوليين على ألا يكون بين المرشحين للبرلمان أي من أعضاء الحزب الحاكم الذين تولوا مراكز قيادية على الأقل خلال الأربع سنوات الأولى وذلك لضمان النزاهة وعدم العودة بالبلاد إلى عهد عبدالله صالح، ثم تجري انتخابات لرئاسة الدولة.
آخر القول: لكي تكسب دول مجلس التعاون الخليجي ود واحترام الشعب اليمني الشقيق لابد أن نقف إلى جانبه في أزمته الراهنة وحمايته من إرهاب الدولة وبلطجيتها ذلك لن يكون إلا بالاستجابة لمطالب الشعب اليمني وأهمها تنحية الرئيس وحل حكومته وأجهزته الأمنية.
نقلاً عن "الشرق" القطرية