خانتني ثقتي بالشعر وغطىّ الدّم النازف من صدر الساحة وجه الكلمات وما عادت عيني تتبين شكل الأشياء ولون الأشياء الدم، الدم، الدم، يحاصر روحي ولساني ويلف الأفق.
يلطّخ خبزَ الناس
ويسّاقط فوق الأطباق
وفوق فناجين القهوة
فوق عيون الأطفال.
* * *
أيُّ ظلامٍ ألقى جثتَهُ
فوق ظَهيرةِ بلدتنا المجبولة
بالضوء؟
وأيُّ نهارٍ دموي الساعات
أطلّ على الساحة في الوقت الداكن
يصطاد شباباً في عمر الأحلام
وفي صورة أيامٍ قادمةٍ
لا أحلى...
وا خجلي حين يموت الضوء قتيلاً
برصاص الحقد الأعمى
وأنا لا أملِك إلاَّ كلماتٍ شاحبةً
ودموعاً تترقرق فوق الأوراق
أقول لكم:
ما أكثر ما قدّم هذا الشعب
على درب الحرية
من أبطالٍ وقرابين!
* * *
يا 'غيمان' ويا 'عيبان'
ألم تنكسرا
حين تحجّرت الدمعةُ في عين الشارع
وتلوّى قلبُ الساحة حزناً
لفراق الأبناء المنذورين
لمعنى التغيير
وهم بصدورٍ عاريةٍ
ورؤوس عاليةٍ
يتلقون رصاصات الغدر
ويحتضنون تراب الوطن الغالي؟
عشرات القتلى
ومئات الجرحى
هل يكفي أن يبكي قلبُك يا 'غيمان'
وتأسى روحُك يا 'عيبان'
أم آن لنا أن نصنع سداً وجبالاً
من بشرٍ
توقفُ هذا المدّ الهمجيَّ
وتمنعُ حماماتِ الدّم؟!
عن القدس العربي
عبد العزيز المقالح
في رثاء شهداء الجمعة الدامية 1890