أنا الدولة، أنا الشعب، أنا أمثل السلطة القانونية والدستورية.. مصطلحات تتكرر في الأنظمة القمعية والدكتاتورية، حيث لا يدخل الشعب في قاموسهم ولا يخطر أيضاً على بالهم، إذ لا يعترفون بالمصلحة العامة ولا بسلطة الشعب ولا بالمواطنة المتساوية ولا بالتداول السلمي للسلطة ولا بالحوار والرأي والـرأي الآخر، ولكن يقدمون لشعوبهم العنف والإقصاء ويبجلون وسائل وأدوات الإذلال والعنف.
وإذا تصفحنا التاريخ لوجدنا أن "لويس الرابع عشر" في فرنسا كان يقول: أنا الدولة وقبل ذلك كان يؤكد مؤسس الدولة الأموية "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه، الذي حول الخلافة الإسلامية من شورى إلى وراثة، فقد كان يقول "الأرض لله وأنا خليفة الله.. فما أخذت فلي، وما تركت للناس فبفضل مني".
والرئيس اليمني ينطبق عليه كل ما أوردته آنفاً ومن يقول غير ذلك، فهو واهم ولا ينطق بالحق واحتراماً لمن سأخصه، في مقالي لم استخدم عبارات أكثر عمقاً، فما حدث أن نائب وزير الإعلام المُقال -لأن وزيره مُقال وبالتالي قد انتهت صلاحيته كنائب- نراه يطل علينا بصوته عبر منبر الجزيرة، ويدلي بتصريحات يخجل الإنسان من سماعها وتثير الحنق والغضب في النفوس، فهو يصر على أن ما حدث للمعتصمين في تعز هي من فعل المتظاهرين ولا علاقة لرجال الأمن بذلك، ويعود ويقول إن المتظاهرين تهجموا على مبنى المحافظة لذلك تم تفريقهم برصاص في الهواء!.. في الهواء وسقط من سقط شهيداً وجرح من جرح.. وعندما سأله المذيع عن ضرورة استخدام الرصاص الحي للتفريق وأنه لا توجد طريقة أخرى؟ يجيب بأنهم تهجموا على مبنى المحافظة.. اتقوا الله وخافوه ما هكذا يتم التعامل مع المواطنين، أنت تسفك دماء الشباب الطاهرة من أجل الحفاظ على ماذا؟ لأنهم تهجموا على مبنى المحافظة؟ بماذا هجموا بدبابات أم مدرعات أم مدافع هاون أم ماذا؟.. لقد كانوا عُزل لا يحملون أسلحة.
هل هذه هي المحبة التي تحبها لشعب تعز أيها الرئيس؟ هل هذه هي الروابط الحميمة التي لا تفرقها عاتيات العواصف؟، إن شعب تعز الحقيقي هو من يقتل ويستخدم بحقه أبشع أنواع العنف.. هذا هو الشعب يا رئيسنا وليس من أتى إليك وإلى قصرك.
إن من التقيت بهم لا يعدون من أبناء تعز إطلاقاً، لو كانوا كذلك لغضبوا وثاروا على ما يحدث لأبنائهم وإخوانهم في محافظة تعز.. أي شرعية ودستورية تخول القتل والإبادة والقمع لمتظاهرين السلميين.
إن ما يحدث في ساحات الاعتصامات في تعز والحديدة وصنعاء وإب وعدن وكل محافظات اليمن لا يدل إلى على شيء واحد، مؤكداّ للجميع وهو أن السلطة بدأت تشعر بصغر مساحتها الجغرافية وأرادت بأفعالها الإجرامية تلك أن تقضي على الأصوات التي تهتف برحيل النظام وإسقاطه.
وها أنا ذا أقول وبملء فمي: إرحل أيها الرئيس حقناً للدماء.. إرحل حتى لا تتفاقم الأمور ويحدث ما لا يحمد عقباه.. أنت تحب اليمن؟ حافظ عليه أيها الرئيس برحيلك إذا كنت تصر على بقائك في السلطة، مؤكداً على اكتساب شرعيتك الدستورية من الشعب.. هل تستطيع أيها الرئيس الخروج إلى المحافظات الجنوبية والمحافظات الأخرى لنرى بأم أعيننا وليرى العالم شرعيتك الدستورية، التي تتحدث عنها ويتحدثون عنها في ميدان السبعين.
أيها الرئيس ليس اليمن بأكمله فكما قلت مراراً إن اليمن عدد سكانه "25" مليوناً ومن تواجد في ساحة السبعين ما هم إلا أقلية حتى وإن كان عددهم ثلاثة ملايين مؤيداً.. فإن اثنين وعشرون مليوناً هم من يرفضون بقائك في السلطة، فلماذا لا تستمتع لصوت العقل وترى الأمور على حقيقتها حفاظاً على اليمن واليمنيين.
كروان عبد الهادي الشرجبي
دماء عارمة في الحالمة 1879