الزعامات السياسية في اليمن حالة استثنائية ليس لها مثيل في الواقع العربي ..زعامات داجنة تقطن فلل فارهة وراء أسوارها العظيمة تختفي أسرار صفقات مشبوهة، لعل أخطرها تحويل الشعب إلى قطيع داجن لايتقن شيء في الواقع عدا التصفيق.
سواسية في المعارضة والسلطة في المشترك والمؤتمر عشرات الزعامات تبدو كما لو أنها عقدت فيما بينها اتفاقا يقضي بأن أي حالة تعافي شعبي في الشارع اليمني لن يكون في صالحها وفقط على كل طرف أن يعمل في حدوده من أجل تدجين مناصريه ومؤيده ومن له عليهم سلطان بشتى الوسائل من أجل ضمان استمرار هذه الزعامات كحالات استثنائية وحدها من يمتلك أسرار القوة السياسية وأسرار القوة الاقتصادية وأسرار النبوغ المتوارث في الكذب والرقص والدجل والشعوذة .
لكن مرحلة تخدير الشعوب لاتطول والأقنعة لابد أن تخلع ليبدو ما خلفها حقيقة مجردة من كل الباروكات والرتوش ويصحوا الشعب بكل فئاته وإن استمرت حالة التحول من التخدير إلى الصحو زمنا ليس بيسير .
الواقع اليوم يقول إن أمهر أساتذة التخدير في المؤتمر الحاكم فشلوا في مهمتهم وأن أمهر أساتذة التخدير في المعارضة اليمنية فشلوا كذلك في مهمتهم وأن الشعب اليمني وحده بدون تلك الزعامات يستعيد عافيته، يستعيد وعيه المفقود، يستعيد إنسانيته وهو الآن في طريق استعادة وطنه وحريته .
وما الرفض الشبابي الشعبي لمبادرة اللقاء المشترك الأخيرة إلا دليلاً عملياً على أن أوان صمت اللقاء المشترك وزعاماته قد حان وأن المطالبة الشبابية بإسقاط النظام لا تتحدث عن حكم المؤتمر الشعبي العام وإنما أيضا تشمل المطالبة بإسقاط هذه الأقنعة والباروكات التي أخفت طوال عقود أوجاع الوطن حتى استحالة سرطان لايرحم .
فمبادرة المشترك الأخيرة التي تقدم بها إلى المؤتمر الحاكم ليست عدا محاولة فاشلة مستميتة منها لاحتواء الشباب اليمني في كل ميادين الاعتصامات بكل سخرية ,احتواء إنجازاتهم ,احتواء تضحياتهم، احتواء صمودهم ,احتواء أمالهم وتطلعاتهم .
يعتصم الشباب والطلاب ويدفعون ثمناً لذلك الكثير من الدماء والشهداء ,يعتصمون بكل قوة وإرادة وتحدي ,بصدور عارية بدون سابق إنذار أو استجداء تصريح من سلطة يرونها لاتمثلهم فيما أحزاب المشترك تظل عاجزة عن الخروج إلى الأسواق دون موافقة مسبقة من السلطات الأمنية ذاتها ,واليوم يريد المشترك أن يهبط بسلام وسط حقل مكهرب بمغنطيسية الحرية والكرامة ويريد الاستيلاء دون خجل على نجاح لم يذق في تاريخه المليء بالصفقات والمؤامرات والبيعات ذرة منه .
من أراد الحوار فعليه بمنتديات ساحات الاعتصامات,من أراد تقديم المبادرات فعليه بمنتديات ساحات الاعتصامات, من أراد التنحي عن السلطة ومن أراد استلام السلطة فعليهم جميعا بمنتديات ساحات الاعتصامات, إذ أن صفقات الغرف المغلقة والأسوار المحصنة لم تعد تعني شيء في الواقع لشباب مل انتظار بلوغ سن الأربعين ليحصل على وظيفة وليس ليعلن عن نيته ترشيح نفسه لمنصب هو أجدر من يتولاه في حكومة لا تجد من هو أجدر من بعض ممثيلها.
كما لم يعد ممكناً لديه أن ينتظر تجاوز سن الأربعين ليكون من حقه أن ينافس على موقع الأمين العام للحزب في أحزاب لا تجد من هو أجدر من بعض قادته.
مبادرة المشترك وتصريحات الناطق باسم المشترك ,قرارات اللجنة الدائمة في المؤتمر الحاكم كلها تأتي في اتجاه واحد وواحد فقط مغزاه ردم الشباب وتغييب الشباب واستغلال الشباب وامتصاص قدرات الشباب وتقاسم جهود الشباب من أجل أن يبقى المعتقون والمقنعون وأصحاب الباروكات واختصاصيو التخدير في السلطة والمعارضة على حد سواء، يمارسون عاداتهم القديمة وسط شعب يعتقدون أنه مخدر.
في أكل أسبوع يخرج المشترك بمبادرة يلوكها مع المؤتمر يشربون أنخابها سواسية ثم يختلفون حيالها كما جرت عليه العادة وكأن لاشيء يجري على امتداد الوطن المثخن بكل أفعالهم القبيحة الظاهرة والباطنة..فيما مبادرة واحدة من الشباب.. واحدة فقط ..لم يمر عليها الطرفان مشترك ومؤتمر لم يقرأوا سطورها ولا حروفها ولا مدادها لم يقرئوا أشلائها ولا دمائها، لكن الوقت يمر وفي اعتقادي أن المطالبة برحيل زعماء الأحزاب السياسية برمتهم سيكون المطلب الثوري العادل الذي سيوحد 25 مليون مواطن ويجعل الوطن ميدان اعتصام كبير وساحة واحدة للحرية والتغيير .
في كل أسبوع يبرز المشتركون والمؤتمرون يتقاسمون الميادين ويلوكون الكلمات ..المبادرات يتبادلون الاتهامات والانتقادات بعيدا عن الشباب، ولهذا لم أكن مع أي طرف حتى اليوم ولن أكون إلا في حال طالب الشباب برحيل تلك الزعامات الباروكية.
فاروق مقبل الكمالي
نحو توسيع مطلب الرحيل 1980