ربما ضبابية المشهد اليمني وحساسية ما يعتمل من أحداث على الساحة وراء عزوف كتاب كثر من أصحاب الرؤى المستقلة عن الكتابة.. فكل شيء يتجزأ، حتى قوى التغيير نفسها مالم تكن قابلة للتجزئة يكون التشرذم مصيرها إذا ما أفلت زمام ثورة من يد أبطالها الحقيقيين وصار الإخفاق حليف كوادر التغيير وبالإمكان القول: "كل ثورة لا ترى النور يروج لها النجاح بعد إجهاضها"، لكنها الهجمة الشرسة غالباً قد توحد ردود أفعال نارية على كل رأي مستقل تستهدفه ظلما كافة الأطراف بما فيها النظام والمعارضة.
رياح التغيير تأبى أن يخفت صفيرها لكن المهوسون بالزحف إلى غرف النوم لا يقودون الثورات بقدر ما يفشلونها والمتطفلون يمدون بساطهم على التيار في محاولة لركوب الموجة.. البلاد تتهاوى والسلطة تعودت على التعنت وأدمنت ثقافة التحدي والحزب الحاكم بلجنته الدائمة لايزال يتعامل مع الأمور على قاعدة لن نغلب اليوم من قلة، والاقتصاد يتدهور والخزينة العامة للدولة ماثلة أمام العبث على وشك تصفير العداد، والمشترك يمارس بخبث كل طقوس القرصنة على ساحات التغيير وتصريحات الشباب.
النظام لازال في غيه على عقليته الأولى يلوذ بالشارع عساها تأتي الردود على مبادراته لينة من قبل المعارضة، يراهن على الوقت لتحديد مصير البلاد والمستقبل غائم في ظل هكذا تناقضات واعتمالات مخيفة.
لست مع النظام ولا مع رحيله، لا أحبذ الرقص على رؤوس الثعابين ولا أريد أن أتصلب أمام مصطلحات بعينها لأظل أهتف: "الشعب يريد إسقاط النظام" والحقيقة هو أن الوطن يهوي في السحيق.. لست مجبراً على التشبث بشعار ساقته إلينا وسائل الإعلام من تونس ومصر طالما التغيير يمكن أن ينفذ بأكثر من آلية وبإمكاني أن ألعب بأكثر من حجر في أكثر من مربع.. ربما لكل بلد خصوصيتها والثورة ليست بغلة لا تجيد الانحناء ولا عقربة تولد مرة واحدة لتموت، فالثورة مواسم متجددة كالأمطار وهنا أجزم قطعاً أن الشباب كانوا على وشك إنجاح ثورتهم وتحقيق مطالبهم حتى اللحظة التي أعلن المشترك فيها انضمامه، كان ينبغي على كل من ينتمي إلى حزب معارض أو حاكم أن يقدم استقالته ثم ينضم إلى ثورة التغيير كالوضوء قبل الصلاة ، حيث لا صلاة إلا بوضوء.
فرضاً أعلن الرئيس صالح التنحي، فماذا بعد.. إذ أن مشكلتنا ليست مع التعددية السياسية ولا مع حكومة وحدة وطنية ولا مع شكل النظام "برلماني أو رئاسي" ولا مع اندماجية الوحدة أو فيدرالية التوحد بقدر ما هي مع البطالة والفقر والفساد.. هذا الاخطبوط ثلاثي الأطراف غول لا يرحم.
جل ما نتوق إليه نظام يحكمنا فإذا ما وصلت درجة البطالة أو الفقر أو الفساد في البلاد نسبة "10%" يكون هذا النظام قد فقد شرعيته ليسقط الرئيس تلقائياً ولو لم تنتهي مدة ولايته الشرعية..
نريد نظام في ظله لا تنهب أراضينا، نأمن على جيوبنا لدى القيام بأية معاملة في المكاتب الحكومية ولا سيما البلدية، نذهب الشرطة فلا نجد ضابطاً ولا جندياً يختلسنا، ننام ملىء أعيننا في وطن آمن ومستقر ، نريد قضاءاً ليس بمقدور أحد التشكيك بنزاهته.. نظام يحدد جدول زمني لتوظيف الخريجين المتقدمين للخدمة المدنية وإذا ما تجاوز أحدهم الفترة المحددة لتوظيفه يتم منحه نصف راتب حتى يتم توظيفه، مالم فإن مفهوم الثورة يعني أنثى الثور ليس إلا.
النظام يقدم المبادرات تلو المبادرات يسيل لها لعاب المشترك لولا خوف قادة المعارضة من فقدان ورقة الشارع كونها الورقة الوحيدة التي بمقدوره اللعب بها، غير أن التعامل مع الأزمة الراهنة عن طريق اللعب بالكروت هو ذات التفكير للنظام منذ سنين مضت لا ينتج سوى مزيداً من الأزمات.
التغيير قادم قادم، لكن تحقيق الانتقال السلمي للسلطة يحتاج أكثر جرأة في اتخاذ المواقف مع الطرف الآخر الخصم وليس تذبذباً وهنا يجب أن يعلو صوت العقلاء وأن يستمع الشباب لهؤلاء وليس بالضرورة أن يتم تطبيق النموذج التونسي والمصري بحذافيره ـ وأعاذنا الله من النموذج الليبي ـ كون المشكلة في تونس ومصر لازالتا تبحثان عن حل دون جدوى ولازال المصريون يتظاهرون لإنقاذ ثورتهم، وأية ثورة هذه التي تجعلنا نحتشد مرة أخرى لإنقاذها بعد الترويج لنجاحها بأيام.
ولعل أهل اليمن عرفوا بالحكمة ولا اعتقد أنه وبعد إزاحة النظام الحالي يرضيهم العودة للتظاهر في جمعة إنقاذ الثورة من ساحات لنجدة التغيير.. إذ سندرك حينها أن العاطفة قد جرفتنا إلى مربع اللاوطن.