من المؤكد أن الدعوة إلى التغيير في الوطن العربي تأخرت أكثر مما ينبغي . إذ كان لا بد أن تبدأ أنظمة الحكم العربية في التغيير منذ عشرين عاماً على الأقل في تواز مع التغيرات التي رافقت سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي وتفتت الأنظمة التي كانت ترتبط به في شرق أوروبا . ولو تم التغيير المطلوب في ذلك الوقت لما حدث ما يحدث الآن ولما احتاج التغيير إلى انتفاضات وثورات ودماء وتدخلات أجنبية، لكن، هكذا هم العرب في عصرهم الحاضر لا يتحركون إلا بعد فوات الأوان، ولا يشعرون بأهمية المتغيرات إلا في الوقت الضائع . وقد كانت حاجة كل قطر عربي إلى التغيير من الوضوح بمكان، وربما كانت بعض الأقطار قد بدأت ذلك، ولكن ببطء وبطريقة فوقية لا تستجيب لنداء الشارع ولا تلامس جذور المشكلات .
ومما زاد الطين بلة، أن بعض الأنظمة العربية استنامت للتبعية، وما كانت توحي به لها من أمان موهوم، وربما أقنعت نفسها أن تلك التبعية كافية لتحميها من المجهول وتجعلها في غير ما حاجة إلى إجراء أي نوع من التغيير، ولم تدرك تلك الأنظمة أن التبعية وغياب التغيير قد أفرزا تراكماً في الواقع وخلقا ضغوطاً شعبية يصعب مواجهتها في لحظة الانفجار . وما حدث ويحدث الآن في أكثر من قطر عربي، إن لم يكن فيها جميعاً، ليس سوى التعبير عن ذلك التراكم المخزون وعن التأخر في إجراء التغيير المطلوب والضروري في موعده، بالإضافة إلى ما تركته تبعية بعض الأقطار من شعور مرير تجاه التفريط في استقلالها وسيادتها .
وإذا كان أوان التغيير الطبيعي والسلمي قد انتهى من وجهة نظر البعض، فإن آخرين يرون - وأنا منهم ومعهم - أنه مازال ممكناً لا سيما في الأقطار ذات التركيبة الإثنية والقبلية والمذهبية التي يحتاج التغيير فيها إلى توافق بين هذه المكونات حتى لا تتفكك البنية الوطنية وتتعرض لأسوأ مما تريد الخلاص منه . ومن النافل القول إن وجهتي النظر قابلتان للبحث والنقاش وإن كان تسارع الأحداث وتطورات أشكال المواجهات في بعض الأقطار يجعل من الصعب إيجاد مساحة من الوقت الكافي لتحديد أي من وجهتي النظر أجدى للتغيير والخروج من دوامة الصراع الذي فرضه التأخر في الاستجابة لمطالب الإصلاح الاجتماعي والسياسي .
لقد أهدر العرب في السنوات الماضية الكثير من الأموال، وأهدروا ما هو أهم وهو الوقت . والآن يجدون أنفسهم في المربع الأول من المسيرة التي توقفت عند البداية، ولم يكتشفوا أهمية التغيير في الوقت المناسب، وأن ما كان ينبغي عليهم أن يفعلوه، وهم في سعة من أمرهم، أصبح صعباً ومعقداً في ضيق الوقت . وما كان أحوجهم إلى الفهم العميق لما يدور في صدور مواطنيهم وما يعتمل في نفوس الأجيال الجديدة من أحلام وتصورات ومن شعور بعدم جدوى الترقيع والتلفيق ومواجهة وتائر التغيير المتسارع في العالم بوعود لا تتحقق أو بإجراءات إصلاحية لا تتعدى سطح الواقع إلى الأعماق .
نقلاً عن "الخليـــــــج" الإماراتية