ثقافة التظاهرات المطالبة بالتغيير تتسع كل يوم بعد أن أوشكت الاعتصامات السلمية المطالبة برحيل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إكمال شهرها الثاني دون كلل ولا ملل رغم العنف الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ومن يسمون ببلطجية شخصيات مقربة من الرئيس نفسه وما نتج عن هذا العنف من سقوط عدد كبير من الضحايا والجرحى في مدن يمنية عدة الأمر الذي أكسب الثورة زخما وقوة فلا يكاد يمر يوم وإلا وتتعزز صفوف المعتصمين بالآلاف من مختلف شرائح المجتمع والمهن ومن ضباط وجنود الأمن الجيش وحتى من أقارب الرئيس نفسه فقد انضم إلى الثوار زوج ابنة الرئيس وطياره الخاص الكابتن يحيي محمد إسماعيل وابن أخت الرئيس محمد عبدالإله القاضي عضو البرلمان والقيادي في الحزب الحاكم ، وكلما أبدع النظام خططا تخريبية وتدميرية تستهدف خلط الأوراق والتشويش على الثورة كلما أبدع الثوار خلق وسائل تشل الدفاعات المعنوية للرئيس وحاشيته آخر هذه الأفكار مشروع " شهيد يوم الوداع " الذي يضم آلافا من الضباط والشباب وآلافا من النساء وآلافا أخرى من الأطفال للتصدي لأدوات القتل التي يجهزها الرئيس لتطبيق مقولة " أحكمكم أو أقتلكم ".
المشهد اليمني الفريد الذي تتجلى فيه قيم شعب مدني يمارس الديمقراطية وأدواتها بأسلوب حضاري بعد أن ترك نحو 60 مليون قطعة سلاح في البيوت أذهل الكثير من المراقبين وسياسة حاكم يرى نفسه أهم من الشعب ولا يجد حرجا في أن يستعمل كل الوسائل غير المشروعة للبقاء في منصبه فتارة يصف المعتصمين والمطالبين برحيله بأنصار القاعدة وتجار المخدرات وتارة أخرى يرسل رسائل مغلوطة للغرب بأن اليمن قنبلة موقوتة ستنفجر في أية لحظة وبدونه ستتحول اليمن إلى دويلات وسلطنات وملاذات آمنة للإرهاب ويبدو أن الغرب وأمريكا التي تحصي أقمار تجسسها الاصطناعية كل حركاتنا وسكناتنا قد انطلت عليها مراوغات السلطة السياسية أو ربما تشعر أن مصلحتها في اليمن هي أهم من الشعب اليمني ومن الديمقراطية التي صدعت رؤوسنا بالتبشير بها لذلك لم تسجل موقفا إيجابيا من هذا المشهد الديمقراطي الفريد في العالم العربي ، واقتصر موقفها على أنها تتمنى وترغب في إيجاد حلول سريعة للأزمة السياسية في اليمن دون ممارسة أي ضغوط كالتي تمارسها في دول أخرى وعلى حكام آخرين لم يسمعوا لأصوات شعوبهم.
صحيح أن اليمنيين لايعولون على أمريكا وغيرها في دعمهم إذ أنهم عقدوا العزم على تغيير النظام بشكل سلمي مهما طال نفس الحاكم الذي يرى شعبه مجرد ديكور يزين به احتفالات إنجازاته الزائفة ، لكنهم يريدون أن يقولوا لأمريكا التي تقصف طائراتها مواطنين يمنيين على تراب بلادهم بتنسيق مع الرئيس صالح الذي قيل إن شابا انتحر مؤخرا من أجل عيونه .. أقول يريد اليمنيون أن يقولوا لأمريكا لقد انكشفت كل سياساتك التي تتحالف مع الجلاد ضد الضحية ، فلولا صالح لما أصبحت أجواء اليمن ومياهها الأقليمية مستباحة أمام الطائرات والبوارج الحربية ، وتنظيم القاعدة الذي اتخذ من اليمن قاعدة ماهو إلا وسيلة لتحقيق مأربين الأول تخويف اليمنيين وابتزاز العالم والثاني إيجاد مبرر لاستباحة أمريكا لليمن والإبقاء على بيدقها حاكما لشعب عظيم.
مخططات الرئيس وحاشيته تتكشف كل يوم فهو يريد أن يحول اليمن إلى عراق وصومال جديد ويضرب الشعب ببعضه ويسعى إلى الفوضى غير الخلاقة وهذا ما بدأ يتكشف في محافظة أبين التي انسحبت من بعض مديرياتها القوى الأمنية عن سبق إصرار وترصد وما نتج عن ذلك من سيطرة مسلحين موالين لصالح على مواقع حساسة وفتح مصنع الذخيرة في جعار بطريقة لاأخلاقية أمام المواطنين الذين دخلوه ليشهدوا منافع لهم فكان الموت لهم بالمرصاد والنتيجة أكثر من 150 قتيلا دفن عدد منهم في مقابر جماعية دون احترام إجراءات وقواعد الدفن المرعية.
أمريكا التي حرصت منذ بداية التسعينيات على نشر ثقافة الديمقراطية في اليمن ولم تتوان عن دعم منظمات أهلية وحكومية وتخرج طلاب كثر من معاهدها الديمقراطية وهم اليوم منخرطون في حركة التغيير التي تشهدها اليمن لذلك فإن موقفها الأخلاقي والاستراتيجي يحتم عليها أن تقف إلى جانب خيار الشعب وإرادته إذا ما رغبت في الحفاظ على مصالحها وكسب صداقة اليمنيين أما إذا ما اختارت الرئيس صالح فإنه راحل والشعب باق وذلك عمل غير صالح .
نقلاً عن "الشرق" القطرية
د.محمد لطف الحميري
أمريكا واليمن .. سقطت ورقة التوت 2010