إن الكلمات قد عجزت عن وصف مشهد يوم الاثنين المأساوي، الذي اقشعرت له الأبدان وتفطرت لرؤياه الأفئدة، فالنتائج التي أسفرت عنه كانت كارثية وموجات الهلع ونوبات الذعر لم تبرح مخيلة كل من شاهد تلك المناظر المروعة لمن غدوا رفات في دقائق معدودة.
أما الجدير بالذكر في هذه المناسبة أنه قد شاع بين العامة أن مصنع "7أكتوبر" للذخيرة قد تعرض يوم الأحد لحملة سلب ونهب واسعة، وإن الدعوة عامة.. فسرتها تلك التجمعات المنتشرة والمتزايدة من المواطنين للبحث عن غنيمة لهم هنا أو هناك، من دون اعتراض أو توجيه إنذار، سيما بعد أن تم الاستحواذ على أكثر محتوياته وأهم معداته ما جعل الأمر يبدو أيضاً أنه نوع من المباحات لتتضاعف الأعداد وتتزايد بجلب المزيد من أفراد الأسرة الواحدة وهو ما أسهم بشكل كبير في فتح شهية آخرين للانضمام من رجال ونساء وأطفال ومعاودة البعض منهم الكرة مرات أخرى واستمر الحال كما هو عليه حتى صبيحة الاثنين يعج بالحركة والنشاط ما رفع البعض منهم بتشبيهه بـ"عدن مول" نتيجة لشدة الازدحام.
غير أن المشهد هذه المرة وبعد ساعات محدودة من إشراقه يوم الاثنين كان مختلفاً تماماً، وما حدث لم يكن في الحسبان، فمستودع الذخيرة قد تعرض فجأة ومن دون سابق إنذار للانفجار وبداخله أعداد لا تعد ولم تحص من البشر إلا باجتهادات وتقديرات، أما الحقيقة فلا يعلمها غير الله وحده، ذلك أن منهم من تبعثرت أشلاؤه ومنهم من لم يجدوا منهم إلا أكوام لحم تناثرت وأوصال تفككت وهياكل تفتت، ومنهم من كان مطموس المعالم وصعب التعرف على هويته، رغم أنه يشكل الأفضلية مقارنة بمن لم يبق له الانفجار أي أثر، فقد محي تماماً واندثر، ومع ذلك كان الجميع في عداد المجهول أكانوا جثثاً متفحمة أو كتل لحم محتنذة ، آل أمرهم إلى الشيولات "الجرارات" لتضعهم في مقابر جماعية بعد أن يأس أهلهم وذويهم في التعرف على أدنى علامة من ملمح أو بقايا ملبس أو أي شيء كان.
أما من بقي منهم على قيد الحياة وهم نسبة ضئيلة لجسامة حروقهم والتي ستترك تشوهات بالغة وخالدة في أذهانهم وأجسادهم ولن يتمكنوا من محوها من ذاكراتهم ما كتبت لهم الحياة، نسأل الله لهم المعافاة واللطف فما يحز في النفس حقاً ويبعث على الشعور بالحرقة والألم والأسى معاً هو جهل الناس بخطورة المكان ومحتوياته القابلة للانفجار في أي لحظة.. فالجميع لم يكن يدرك أن حياته هناك على كف عفريت وأن سلامته ونجاته من المعجزات، فأي شرارة ممكن أن تحيل المكان إلى جهنم وهو ما حدث فعلاً وأصبح أغلب من كان بالداخل في خبر كان، إنه الجهل الذي دفع الناس للتفكير في لحظتهم الآنية دون التفكير في العواقب الوخيمة ولو أنهم علموا ما سيؤول إليها المآل لاجتنبوا سوء الختام.
إذاً كان الثمن باهظاً وثماره مأساوية، فعديدة هي الأسر التي اتشحت السواد وكم هو مؤثر ومحزن السماع عن منازل لأسر أغلقت بالأقفال طمعاً في الحصول على فيد "غنيمة" وكانت النتيجة أنه ما زالت تلك المنازل على حالها.. فأصحابها خرجوا ولم يعودوا، أرادوا الغنيمة، فذهبت أنفسهم وأزهقت أرواحهم وقد تجد آباءاً وأمهات يبحثون في الطرقات وغرف ودهاليز المستشفيات عن فلذات أكبادهم، وستجد أخرى تهاونت واستسلمت، ومع ذلك تتمنى من أعماقها عودة ولدها الغائب بين اليأس والرجاء وتنتظر من يقطع لها الشك باليقين ويطمئن القلب الحزين..
اللهم أرحم هؤلاء البسطاء والمساكين وتجاوز عنهم واحشرهم في زمرة الناجين برحمتك يا أرحم الراحمين، بقى أن أقول للعباد أن الفقر ابتلاء ونعمة ابتلي بها رسولنا الكريم الذي لنا فيه الأسوة الحسنة وهي لا تبرر أبداً الاعتداء والسطو، فقد قال رسولكم عليه الصلاة والسلام: "والله لا يأخذ أحداً منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر"، في إشارة منه إلى أن كل ما سلبه ابن آدم أو نهبه سيأتي به يوم القيامة على ظهره.. فماذا أنتم فاعلون.