وصلت الأوضاع السياسية في اليمن إلى الاتفاق على أن الحل يكمن في خروج المسؤولين من السلطة من أجل إنقاذ البلاد، ليس من الأزمة القائمة فحسب وإنما من أجل تجنيبها كوارث أعظم . فالشعب الذي لا يغادر الميادين والشوارع يريد الخروج الآن، والسلطة تغازل الخروج لكن بشروطها . والاتفاق على المبدأ يحمل في طياته الكثير من التفاصيل المهلكة .
فالرئيس اليمني يريد أن يفرض شروط الخروج بعد أن أخفق في تحديد شروط البقاء . وإذا كان التشبث بالبقاء تفرضه آمال، فإن الإعلان عن مبدأ الخروج لم يعد يعطي مجالاً كبيراً للمناورة . وإذا صحت المعلومات عن أن العقبات الرئيسة التي تسهل الخروج السريع تكمن في شرطي الانتقال إلى أيد غير المعارضة، وألا تكون هناك ملاحقة للرئيس والمقربين منه، فهي سهلة الحل إن كانت صحيحة أولاً وإن وزنت بميزان المصلحة العامة ثانياً .
وإذا افترضنا صحتها فإن شرط عدم إعطائها للمعارضة سهل وصعب في آن . وهذا يعتمد على معنى المعارضة . فإن كان الرئيس اليمني يعرّف المعارضة بالناس الذين يتمترسون في الميادين والشوارع فهؤلاء هم معظم الشعب اليمني، ولن يبقى إلا أولئك الذين شاركوه السلطة . وهو أمر صعب التحقيق لأن الناس خرجت ضد النظام باعتباره مجموعة من الممارسات والترتيبات والإجراءات والأفراد وليس فقط ضد شخص الرئيس .
أما إذا كان المقصود بها تلك الأحزاب وبعض الشخصيات التي خاصمت الرئيس على مدى الأعوام الماضية فالحل سهل لأن الشعب اليمني مملوء بأهل الحكمة والثقة الذين يستطيعون أن يقودوا سفينة البلاد إلى بر انتقال السلطة إلى الشعب خلال أشهر قليلة . والخلاف هنا كُلْفته أكبر على البلاد والرئيس في الحالة الأولى وكذلك على البلاد والمعارضة في الحالة الثانية إن أصرت الأخيرة أن يكون لها دور أساسي في المرحلة الانتقالية .
أما الشرط الثاني فينبغي أن يوازن فيه العفو عما مضى مع مصلحة البلاد في حال استشراء الأزمة . ولدى أهل الحكمة في اليمن تجربتان حتى إن اشتركتا في كونهما ليستا الثقافة المثالية لخروج المسؤولين من السلطة وتسليمها للشعب . فالأولى هي المثال التونسي المصري الذي حصل فيه الانتقال من دون وقوع كوارث الاقتتال والانقسام .
والثانية، تجري أمامنا في ليبيا التي أوقعت البلاد في كوارث إنسانية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وقد تحمل في طياتها مخاطر أكثر . وإذا كانت السلطة في اليمن لا تستطيع أن تفتح منهجاً جديداً أفضل من المثال الأول فهي مدعوة على الأقل أن تحذو حذوه وألا ترمي البلاد في مخاطر المثال الثاني .
وأهل السلطة في اليمن كما العقلاء فيها مدعوون لأن يتقوا الله في العباد والبلاد من خلال الاختيار الذي يحسم الأمر بأقل الخسائر على المجتمع .
الخليج الإماراتية