الاعتصامات المستمرة التي تقترب من إتمام شهرها الثاني في عدد من المدن اليمنية والمطالبة بإسقاط النظام كشفت عيوبا كثيرة في شخصية الرئيس علي عبدالله صالح إلى درجة أنه بدا لكثير من المحللين كما لو أنه زعيم عصابة وليس رئيسا لبلد يضرب جذوره في أعماق تراث الإنسانية ولا تقرأ كتابا للتاريخ أو السيرة النبوية إلا وجدته حاضرا بمعالمه وآثار رجاله في مختلف العلوم والفتوحات ويكفي أن سورة من سور القرآن الكريم تحمل اسم هذا البلد سبأ...
يشعر كثير من الذين يتابعون المشهد اليمني بالأسى وهم يسمعون خطابات رئيس دولة تخلو من الفصاحة والحكمة في بلد وصف بأنه يمن الإيمان والحكمة.. تصريحه الأول عندما سقط في ساحة التغيير أكثر من 52 شهيدا ومئات الجرحى برصاص قناصة اعترف عدد ممن وقعوا في قبضة المعتصمين بأنهم من الحرس الجمهوري التابع لولي عهده أحمد.. لكن الرئيس "فارس العرب" كما تصفه وسائل إعلامه يخرج إلى الصحافة مباشرة ويقول إن من أطلق الرصاص على المعتصمين هم من سكان المنازل المجاورة وأن الشرطة والأمن لم يكونوا موجودين أصلا وفي هذا التصريح العجيب الذي كان يمكن أن يعهد به الرئيس إلى متحدث باسم وزارة الداخلية ليحفظ ماء وجهه أمام الجماهير البائسة من سنوات حكمه الكالحة.. أقول إن هذا التصريح وضع سكان تلك المنازل المفجوعين بجرأة رئيسهم وتدليسه في مواجهة عشرات الآلاف من الجموع الغاضبة التي لو لم تكن عاقلة وتعرف من هو الجاني لأحرقت السكان ومثلت بهم.. أما التصريح الثاني فهو أثناء انعقاد مجلس الدفاع الوطني عندما تحدث عن الحرب الأهلية وعن الانقلابات بدل أن يكون خطابه عقلانيا ورزينا ينشر السكينة العامة ويحترم عقول الشعب الذي احتمله واحتمل ترهاته أكثر من ثلاثة عقود..
لم تخرج خطاباته هذه وتصريحاته عما ألفه الشعب طوال سنوات حكمه حيث يرتجل الكلام ويغدق الوعود لتتحول تلك الخطب إلى مادة للضحك والسخرية كتلك التي امتلأت بها منتديات الإنترنت ومواقع الفيديو عندما وعد شعبه بإضاءة اليمن كلها بالطاقة النووية والقضاء على الفقر والبطالة بين سنتي 2007 و2008 ولا يمكننا هنا أن نتحدث عن بنية خطاباته ومراعاتها لأبسط قواعد اللغة العربية إلى درجة أن أي عربي يسأل هل يمكن أن يكون هذا واجهة ليمن حضاري كل متاحف العالم تتزين بقطع من آثاره وتستهوى زيارته السائحون من كل أرجاء الكرة الأرضية.
عمل الرئيس اليمني خلال سنوات حكمه على إشعال الكراهية بين أبناء الشعب اليمني وضربهم ببعضهم وهذا ما أكده ابن أخته محمد عبد الإله القاضي عندما قال لا يتورع الرئيس علي صالح أن يفرق بين الأخ وأخيه وأن منهجه في الحكم فرق تسد.. كما أنه ليس من صفاته الوفاء بما يلتزم به وأنه مراوغ ولا يحافظ على حلفائه بل إنه يحاول ابتزاز كثير منهم والدليل على ذلك حربه المصطنعة على الإرهاب وخلق تنظيم القاعدة في اليمن يحركه متى شاء ويعتقل أفراده ويطلق صراحهم متى شاء وإذا كان هناك من يختلف على كونه راعيا لتنظيم القاعدة فإن هناك شبه إجماع على أنه من أشعل فتيل الحرب ضد الحوثيين وكان يستخدمها لضرب خصومه في الداخل وابتزاز جيرانه المجاورين إلى درجة أنه عمل على توريطهم في الحرب العبثية في صعدة لكن يبدو أنه وقع في شر أعماله عندما أدركت دول الجوار بأنه شخص لا يؤمن جانبه.
كان يفترض بالرئيس اليمني أن يكتفي بسنوات حكمه الـ33 ويقول للشعب فهمتكم ويرحل من دون أن يضرب الشعب ببعضه لكن يبدو أنه لا يزال يتأبط شرا بهذا الشعب العظيم المكافح فقد رشحت معلومات أن شرطته السرية بكل تشكيلاتها تخطط لإحراق الأرض من تحت أرجل اليمنيين لكي يطبق قاعدة القذافي أحكمكم أو أقتلكم يا "جرذان
".. خطط شرطته السرية وتتكون من أربعة محاور: الأول إثارة الانقسامات بين الحوثيين ومبايعة إمام لهم من غير أولاد بدر الدين الحوثي، والثاني خلط الحابل بالنابل في المحافظات الجنوبية عن طريق خروج المخبرين السريين في مظاهرات تؤيد الانفصال وترفع أعلام الدولة البائدة وحرق وتكسير ممتلكات عامة خاصة وهذا ما شهدناه خلال اليومين الماضين من إحراق ونهب فنادق وملاهي ومحلات تجارية، أما المحور الثالث من الخطة الجهنمية فهو إيقاض خلايا القاعدة النائمة بحيث تفجر عددا من البنوك والسفارات والمؤسسات والموارد الإستراتيجية كالنفط والكهرباء.. هذا المشهد الكارثي يختمه بمحور رابع وهو إيجاد الغطاء الديني لكل ذلك عندما يدعو علماء الدين غير المسيسين حسب رأي النظام والذين يعارضون المظاهرات والمسيرات ليجعلهم يقولوا بأن طاعة ولي الأمر واجبة ولا يجوز الخروج عليه تجنبا للفتنة والحرب الأهلية وغيرها وفوق كل ذلك فإن حالة الطوارئ يمكنها أن تمدد حسب الحاجة بعد أن وافق نحو 131 من أعضاء البرلمان من أصل 301 على قانون الطوارئ الذي كان من مخلفات دولة الجمهورية العربية اليمنية أي ما قبل الوحدة وهذا يعني أن الأسوأ لم يأت بعد.
كان يمكن للرئيس اليمني إذا ما كان يحب شعبه كما يقول ويسكنه الخوف على مستقبله أن يجنبه احتمالات الفتنة والتصدع ولو كانت ضعيفة ويزهد في تلك الجماهير المؤيدة التي يحركها نزيف خزائن البنك المركزي وأن يكف عن المبادرات التي يعلم كل الشعب أن الهدف منها هو إدخال الدبابير إلى عشها وعندما تخلو الساحات من المحتجين فلا يمكنهم العودة إليها مرة أخرى في ظل قانون الطوارئ وربما يطبق عليهم بعد ذلك مقولة ليرحل الشعب ويبقى الرئيس مهما كانت التضحيات والأخطار، فأنا الزعيم القائد الملهم الذي لا يمكن لنساء اليمن أن يلدن مثلي، لكن ثورة الشباب اليمني السلمية الذين تركوا أكثر من 60مليون قطعة سلاح في بيوتهم وخرجوا بصدور عارية سيحققون مقولة الشعب أبقى من حاكمه وإن غدا لناظره قريب.
نقلاً عن جريدة "الشرق" القطرية