لم يدرك الزعماء الحقائق ولم يقرأوا التاريخ ليدركوا نهاية الطغيان ولم يعوا نتائج الاستخفاف بالشعوب ولم يعتبروا بالأحداث المشابهة لا في البعيد ولا في القريب من الزمن ولا حتى بمن يعيشون معهم على نفس الامتداد الجغرافي ويمرون مع شعوبهم بنفس الظروف..
تلك الزعامات التي تغرق في وحل النرجسية حتى الثمالة، لا يستطيعون الفكاك منها ولا يختلف في هذا زعيم عن زعيم أو نظام عن نظام لا في تونس التي كانت فيها بداية الأحداث ولا في مصر التي كان فيها النظام يدعي أن نظام وشعب مصر غير ما هو عليه الحال في تونس وأعقب ذلك النظام الليبي الذي تجاوز مرحلة النرجسية إلى الهوس والجنون، مدعياً أن الشعب يحبه حتى الموت وهو اليوم يرسل لهم باقات الصواريخ وأكاليل الرصاص تعبيراً وتقديراً عن حبه للشعب ويطبق عليهم مقولة "من الحب ما قتل".
هؤلاء الذين يحرصون على الشعوب ويحبونهم حباً جماً وتحبهم الشعوب التي تستنجد بالاستعمار ليخلصهم من حب قادة الثورات وزعماء الشعوب، الذي يترجمونه في تعاملهم مع شعوبهم "دار دار وزنقة زنقة" ندمنا على أنه فاتنا زمن الحب العذري وأمجاد وفروسية عنترة بن شداد.. ووجدنا التعويض عن ذلك في حب الزعماء للشعوب ورؤية أمجادهم وفروسيتهم وبطولاتهم في ميادين أوطانهم عند تنكيلهم بمواطنيهم العزل.
ولا يمكن أن يكون اليمن استثناءً أو مختلفاً عن أنظمة وشعوب المنطقة التي هبت عليها رياح التغيير إلا في فلسفة المنظرين في النظام الذين يصرون على أن اليمن حالة استثنائية ومختلفة ونحن نقول: نعم.. فالنظام التونسي يعترف رئيسه أنه فهم شعبه بعد حكم "25" عاماً بينما النظام في اليمن..
وأما وجه التشابه والاختلاف بين حال النظام في ليبيا وما هو عليه في اليمن.. فقد يكون موجوداً في اليمن ما يشبه سيف القذافي وحنبعل وإن غاب ما يشبه وجه الفريق عائشة عن البروز في أركان النظام إلا أن هنالك فرقاً لا نزال نأمل ونعتقد أنه بعيد في فكر الرئيس عن جنون دار دار وزنقة زنقة وأنه قادر على كبح جموح أمثال سيف والساعدي من الوصول بالبلاد إلى حبب الباب باب والطاقة طاقة.. بما عرف عنه خلال تاريخه الطويل من محاولة البعد عن طريق الدماء..
ولا نعتقد أنه سيسمح بتلويث تاريخه وإفساد ما أنجزه ولن يسمح لنفسه كذلك أن ينتهي به المطاف في أسوأ صفحات التاريخ، لأننا ندرك أن العقل هو الذي سيسود وتغليب مصلحة الوطن على كل المصالح ولو أدى ذلك إلى تجاوز العواطف والرغبات والدوس عليها.. ولا زلنا نأمل أنه قادر على تجاوز الضغوط حتى وإن كانت مجتمعة معاً وشاملة للرغبة والقرابة..
كما نأمل ونتمنى أن تكون الحالة مختلفة كما يتردد على ألسنة المحسوبين على النظام والمستفيدين من مثل هذه الأوضاع فيها يرجونه ويأملونه من جر الوطن إلى منزلق الخطر والاقتتال، حتى تتعزز مواقفهم وتزيد أرصدتهم ويكثر فسادهم وينجون بأفعالهم من كماشة تكاد تطبق على رقابهم بمطالب جماهيرية واسعة ومصممة على كل الساحات بمحاسبتهم ومحاربة الفساد والمفسدين ومحاكمتهم جراء ما اقترفوا من فساد ونهب للمال العام..
كما نأمل ونتمنى أن تسود الحكمة والاستماع لصوت للعقل حتى وإن كان خافتاً أمام أصوات الطبول وهرج المهرجين والمتملقين والمطبلين، أصحاب الاستعراضات المدفوعة والمستأجرة والمستعارة لأن صوت العقل هو صوت الحقيقة والذي يقول إنه آن الأوان لرحيل مشرف قبل استفحال الأوضاع وتحوّل وتعقدّ المزاج العام والشعبي إلى المطالبة بما هو أشد من ذلك وأنكى.
فهل آن للعقل السلطوي أن يتوارى وينطوي أمام عقل الإنسان الواعي، المدرك لحقائق الأمور والمتبصر في أحول مشابهة يستفيد منها ويأخذ كل العبر ويرى الأقرب والأنفع فيقتفي أثرها دون مكابرة أو غرور.. فالأحوال والظروف لم تعد تحتمل المماطلة وليس عيباً التنازل عن السلطة، ولكن العيب كل العيب الاستمرار في سلطة تجر البلاد إلى حروب ودماء ودمار فأيهما سيختار النظام وبأيهما سيقتدي بالحالة التونسية والمصرية أم الحالة الليبية التعيسة والعاقل من أتعظ بغيره.