يبدو أن المجزرة التي وقعت بحق المعتصمين السلميين في ميدان التغيير بصنعاء يوم الجمعة الماضي لم تكن إلا رداً واضحاً وصريحاً لأشقائنا في دول الخليج، الذين ربما أيدوا مبادرة كانت ستمثل حلاً للأزمة الراهنة والتي حاول الرئيس طوال الفترة الماضية تجاهلها والسخرية بمطالبها لاعتقاده أنها لا تمثل إلا انقلاباً على الشرعية الدستورية ودعوة للفتنة والفوضى.
نعلم جميعاً أن الأشقاء في دول الخليج لم يؤيدوا تلك المبادرة حقناً لدماء اليمنيين أو خوفاً على الشأن الداخلي اليمني بقدر ما هو خشية على أمنها الداخلي، فالسعودية وهاجسها الشيعة في الجنوب لا يقل عن خوفنا وخشية بقية دول الخليج من أن تتنقل عدوى الاحتجاجات والمظاهرات إلى أراضيها، رغم ما قد قامت به بعض تلك الدول من إصلاحات قد لا تكون عند المستوى الذي ينشده البعض، إلا أنها حتى الآن مازالت تتلقى الدعم والتأييد الأميركي وهذا لا يعود إلا لبراميل النفط التي تجعل دول الغربة تتنازل عن أخلاقياتها وعن المبادئ التي تنادي بها عبر المؤتمرات والمحافل الدولية والتي لا تذكرنا نحن أبناء هذه المنطقة إلا بالسياسة الحقيقية والمعتادة لتلك الدول.
إذاً هي معركة مصالح ويدرك الرئيس صالح تماماً ما تخشاه دول الخليج ويعرف أنه ونظامه لا يشكلان أي أهمية إذا وجدت هذه الدول أمنها واستقرارها مع سقوط نظامه وتلبية مطالب الشباب، نعلم أن دول الخليج تخشى ومما قد يحدث بعد سقوطه، لكنها اليوم تتمنى لو يرضخ لمطالب الشارع ويتنحى وتنفذ كل مطالب الشباب المعتصمين قبل أن يتطور الوضع في اليمن ويزداد تأزماً وتنفلت الأطراف التي تمثل هاجساً يتربص بالثورة اليمنية ووحدة اليمن، كالشيعة والحراك وتنظيم القاعدة، لأن هذه العوامل هي من سيخلط أوراق الخليج ويزعزع أمن المنطقة وستصبح اليمن حينئذ مساحة فارغة قابلة لكل الاحتمالات والتدخلات الدولية، لكن النظام وعبر وأده لتلك المبادرة إنما يرسل رسالة صريحة لدول مجلس التعاون بعدم تنحيه وأنه لن يرضخ لمطالب الشارع حتى لو اقتضى الأمر استخدامه للقوة والعنف وهذا ما تظهره محاولاته المستمرة في جر الشارع للعنف واستخدام السلاح ولو حدث ما يسعى إليه النظام سيصبح الوضع عندها أبشع مما يحدث في ليبيا وفي كل الحالات يبدو أن مستقبل اليمن يبدو أكثر ضبابية، لأن من بيده الحل لا يحتكم إلى العقل ولا يولي أي اهتمام للمصلحة الوطنية.
ستوضح لنا الأيام المقبلة ما إذا ستقف دول الخليج موقف المتفرج لما قد يحدث في اليمن أو ستلجأ إلى دعم هذا النظام المتهاوي والتي عندها لن يغفر اليمنيون لمن قد يتدخل في شأنهم الداخلي ويقف مع هذا النظام الذي يعتبرونه فاقداً للشرعية، لأن اليمن ليست دولة خليجية حتى يمكن أن تشملها الاتفاقات الأمنية والالتزامات المبرمة بين دول الخليج وليست ثورة اليمن ثورة طائفية أو مندسة ومدعومة من الخارج كالبحرين مثلاً، ولذلك على دول الخليج أن تسعى لفهم واقع اليمن وتتعرف على هوية المنتصر الحقيقي والذي يبدو واضحاً قبل أن تسعى لفهم رسالة الرئيس ولذلك فالسكوت وعدم التدخل قد يكون أفضل لهذه الدول.
بشرى عبدالله
هل فهم الخليج؟ 1679