يبدو أن المدينة التي أوصلت علي عبدالله صالح ـ للسلطة هي أولى المدن التي بادرت بالاعتصام لتكون نموذجاً لشجاعة وبادرة غير مألوفة لأن يتجمع شباب ويعلنون عن قرارهم الحاسم وإرادتهم القوية في إسقاط النظام، لتعلن جمهورية جديدة من هذه المدينة لتتبعها باقي المدن اليمنية وتنتهج أسلوب الاعتصام.
الثورة ليست نزهة سياسية في خارج التاريخ ـ هذا ما أدركه أبناء هذه المدينة وبأن مشوارهم الثوري سيكون طويلاً ومليئاً بالكفاح، ولهذا كانوا بحاجة إلى ساحة واسعة تستوعب تطلعاتهم وأحلامهم الكبيرة قبل أن تستوعب أعدادهم الهائلة، فكانت محطة صافر هي البداية، وهي عنوان الثورة لتصبح فيما بعد ساحة للحرية، والشرارة الأولى لثورة شبابية تنكرت لكل الأحزاب والمسميات السياسية والتي اعتبرها هؤلاء الشباب جزءاً من الماضي الذي لم يعمل إلا على إسقاط الجمهورية والتي سقطت، فيما مضى من أجلها الجماجم وارتوت أرض الوطن بالدماء ليأتي هذا النظام وأحزاب لا تختلف عنه كثيراً لتقتل ذاك الكفاح ويكرسوا إمامة حديثة لم ترض هؤلاء الشباب طويلاًً ولم تكن إلا قيداً يغلي بمرارة تطلعاتهم، لينكسر القيد وبإرادتهم وشغفهم لأن يكونوا كإخوانهم أبناء العروبة في مصر وتونس، فأنباء اليمن لا يقلون عن هؤلاء كفاحاً أو شجاعة، هم أبناء وأحفاد ثوار كانوا وقود الثورة ضد الاستعمار والإمامة وليتوحدوا اليوم ضد إمامة جديدة وفساد أظلم سماء وطنهم الأبي.
تعز.. كانت فيما مضى حضناً للنضال والكفاح ضد المستعمر البريطاني ونقطة التقاء صنعاء بعدن باحتضانها اللقاءات الوحدوية بين قيادات شطري الوطن بعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وبعد الوحدة وتعود هذه المدينة لتستريح في ربوع طبيعتها الخلابة وتنشغل بدورها الثقافي لتضم قممها الخضراء ومناظرها الساحرة هامات رسمت إبداع وطن ترجمته من خلال الكلمة أو اللحن لتصبح سيفونية، لم يكن الفنان/ أيوب طارش إلا هامة من هاماتها نستحضره في أيامنا الهادئة وهو يتغنى بجمال الوطن، ويطل علينا اليوم ونحن في أروع لحظات التاريخ ليواكب ا لثورة وبكلمات الشاعر المبدع/ عبدالله عبدالوهاب نعمان "رحمه الله" يضخ مشاعر حب الوطن والفداء، وينسج من أغانيه جيلاً ثورياً جديداً لم يعد يفقه إلا لغة الثورة والكفاح ليكون "أيوب طارش" نقطة اللقاء ثوار الأمس بثوار اليوم، لتتجاوز ألحانه المسافات والحواجز لتكون إذاعة وصوت الثورة في صنعاء وعدن وتعز وكل الوطن.
قد وحدتهم الإمامة إذاً في الماضي والحاضر مهما اختلفت المسميات إلا أنها واحدة وها هي ساحات الوطن تشهد إعدام الثوار وإن اختلفت الوسيلة، لتكون ساحات قيام جمهورية، وأرضاً طهرت بدماء الحرية من الذين استبسلوا بأرواحهم لأن يعودوا بالجمهورية إلى هذه البلاد.
تعز.. كانت ساحة الاعتصام الأولى وبداية تسونامي "الثورة" بالنسبة للنظام، لتكون بداية الانتفاضة ضد الإمامة والظلم والاستبداد وإعلاناً لجمهورية الساحات، الشوارع لتلحق بصفوفها كل المسميات والأطياف والانتماءات تحت قيادة هذه البذرة الطيبة التي بدمائها أعلنت أن لا عودة عن الكفاح والنضال السلمي حتى قيام نظام جمهوري مدني لا مكان فيه للتحكمات والصراعات الحزبية أو المذهبية أو المناطقية، لتنصهر كل النزاعات والاختلافات وتتلاشى من ساحات الوطن ليكون للثورة وجهاً واحداً ومن حيث جئت لتقرأ معالمه تجده واحداً موحداً وتحت قيادة شبابية حرة، سخرت نفسها لخدمة هذا الوطن تحت شعار "القبيلة والمدنية والحزب ليس وطناً، الوطن واحد يدعى اليمن".
بشرى عبدالله
تعز.. شارع للجمهورية 2025