سقط المراهنون على عقلانية النظام وحكمة القيادة أمام تلك الدماء التي خضبت ساحة التغيير وعدداً من الشوارع المجاورة لها, وسقط معهم الخطاب الرسمي الذي يعزف سيمفونياته على جثث الأبرياء المتساقطة حد الاسترخاص.
وابل من النيران رسم بدماء المتظاهرين سلمياً خارطة العنف التي لم نكن نريدها لهذا الوطن الذي حُكم عليه بالرحيل, وأي رحيل غير ذاك الذي غادر السلام إلى البارود, والحلم إلى الانكسار, والصمت إلى صراخ الثكالى وفرقعات الموت.
وابل من الجنون استقبل جمعة الإنذار فحولها إلى جمعة الاستهتار بالإنسان وآدميته .
ماذا هناك أيها الوطن..؟
دماء تُراق على جسدي وكرسي آلمتني أقدامه الواثبة على صدري.
حدثنا عن الدماء..؟
تنساب بلونها القاني فاستشعرها باردة الملمس, سامقة الغاية, عاطرة الوجود, لا تساوم على المبدأ وغير قابلة للتخثر.
ماذا عن الكرسي..؟
أنهكني وجوده,وأزعجني منظره القبيح , وملمسه الخشن, ورائحته النتنة.
هل أنت على ما يرام أيها الوطن..؟
لستُ كذلك بل أنا مكلوم, مجروح, مذبوح, سحقني الكرسي تحت حوافره, وآذتني "بيادات" الجند المغرر بهم وهي تطأني بأمر من ساستها بعدما امتصوا ثرواتي وعبثوا بتأريخي..
لك الله أيها الوطن ولي أن أكمل مقالتي..
الوطن يئن تحت وطأة الحاكم وباروده و"بيادات" جُنده, ومن رائحة الموت, وعفن الكرسي, وعقليات الساسة المتحجرة أمام الراهن, ومن هراوات البلاطجة, وصمت أهل العقد والحل, ومن "ذرة" الوطنية التي بقت في أعماق بعض أنصار الحاكم دون أن تدفعهم لاتخاذ المواقف المشرفة المأمولة منهم ـ خصوصاً وقد سالت الدماء بغزارة مؤكدة وحشية النظام التي تجلى حضورها المُرعب.
قد يقول قائل أن الرئيس أخلى مسؤوليته حين قدم المبادرة التي تنازل فيها عن كامل صلاحياته في ظل حكم برلماني كانت تنشده أحزاب المعارضة مذ تكوينها الجنيني, غير أني أؤكد على أن هذه المبادرة وإن كانت هي الغاية التي يبحث عنها الحكماء والعقلانيون من أبناء هذا الشعب المسحوق إلا أن مصداقية الرئيس صارت اليوم في المحك خصوصاً وأن مبادراته المتعاقبة تغتالها الأيادي الآثمة ـ المتواجدة على مقربة من قلمه ـ قُبيل تخلقها, بدليل المجزرة التي شهدتها ساحة التغيير بُعيد صلاة جمعة الإنذار. فمن منا بمقدوره نسيان تلك المجزرة الدموية التي رأينا فيها الرؤوس وقد عبث بها الرصاص, والدماء وقد كونت بحيرات يريد الساسة أن يرسوا بأشرعتهم على ضفافها كي يحكمون اليمن من ذلكم المرسى.
عموماً سيظل المشهد المؤذي الذي بثته جميع القنوات الفضائية ـ عدا إعلامنا الرسمي ـ وصمة عار في جبين الأمن سواء أكانوا هم الذين قاموا بهذا العمل الإجرامي أوان أصحاب المنازل المجاورة هم من فعلوا ذلك حسب رواية النظام, ففي الحالتين تقع المسؤلية على عاتق الأجهزة الأمنية كونها هي المكلفة في الأساس بحماية المتظاهرين السلميين والحفاظ على سلامتهم..
كما أنني هنا لا أحيِّد أحزاب المعارضة عن الإثم المُرتكب بحق هذا الوطن خصوصاً وأنهم يدفعون بالشباب إلى الموت، بينما يبقون في منازلهم متكأين على أمل الحضور في ساعة المغنم كي ينصبوا عروشهم على جثث الشباب وبحيرات دمائهم.
إن في بعض قيادات المعارضة من يصدح بصوته هذه الأيام على القنوات الفضائية, ناقداَ, ومتهماً النظام بالإجرام, وداعياً الشباب للخروج من منازلهم والالتحاق بركب الثورة, بينما يبقى لصيقاً "بالمدكأ" ينضح فمه بما فيه, دون أن يكون له تواجداً في ساحات الحرية والتغيير؛ تلك المترامية في أرجاء الوطن, ولذلك تتبادر إلى الأذهان رزمة من الأسئلة التي عجزنا أن نجد لها جواباً, في هذه الأيام التي على فيها صوت الرصاص على صوت العقل
لماذا لا تتواجد قيادات المشترك داخل مخيمات المعتصمين..؟
ولماذا لا يسقوا غرسهم بدماء قياداتهم.. أم أن دماءهم أغلى من دماء الشباب ..؟
لماذا لا ينزلون إلى الساحات بصدور عارية مثل بقية الناس ويرددون شعار " الشعب يريد إسقاط النظام" الذي بات يردده الأطفال، فتصوب الذخيرة الحية إلى وجوههم.. أم أنهم ليسوا من الشعب ..؟
هل يريدون من الشباب ترديد هذا الشعار وسط اللهب.. وسيتكفلون بأرشفته حتى يكون مفخرة في ساحة العروض حين يكون للثورة عيدها الوطني المجيد..؟؟!! بالتأكيد هذا ما يريدونه ولذلك يظل النظام والمعارضة وجهان لعملة واحدة احدهما يتشبث بالكرسي حد المجازر والإبادة والآخر يتأمل الكرسي من شرفة مطلة على بحيرة الدم وبينهما أبرياء طحنهم الأول برحى فساده ويسحقهم الآخر بجنازير طموحه. وماداما كذلك فليتركا الشعب وشأنه, يصنع تأريخه بيده ويختار قيادته بإرادته؛ قيادة توفر له دولة دستورية يسودها النظام والقانون في وطن خالٍ من الفساد يتحقق للفرد فيه الكفاية ويطلق فيه العنان للقدرات والطاقات ويكون الشعب هو صاحب السيادة ومالك الثروة, وليذهب الحاكم والمعارضة إلى الجحيم غير مأسوف عليهما .
*ومضات*
ــ يقال أن ما يجري في الشارع اليوم من أحداث دموية هي عراك سياسي على كرسي الحكم بين حميد الأحمر وأحمد علي.. هل فعلاً هذا ما يحدث..؟ وهل يذهب شبابنا إلى مهب الموت من أجلهما..؟ إن كان ما يقال صحيحاً فسحقاً لكرسي تزهق من أجله الأرواح وتُسفك الدماء, وسحقاً لكل من يستهن بدماء الأبرياء.
ــ أما آن الأوان لشرفاء الحزب الحاكم أن يقولوا كلمتهم الفصل ويعلنوها مدوية في وجه النظام الذي يريدهم معه إلى مزبلة التأريخ ..
ــ شكراً لوزير الثقافة الأبدي الأستاذ خالد الرويشان وشكرا للأستاذ نبيل الفقيه والقاضي حمود الهتار والدكتورة هدى البان والأستاذ نصر طه والأستاذ سمير اليوسفي والسفير أبو راس والأستاذ فارس السقاف والدكتور القباطي وشكراً لمنتدى مجاز ولهيئة تحرير الساحة السياسية ولكل وطني غيور يربأ بنفسه عن مجازر النظام ورائحة الموت التي باتت تعج بها سياسته.
ــ شكراً لضوئك أيها الخالد وشكراً لمدادهم الذي توحد في حضرة البارود والدم والثورة.
منيف الهلالي
إلى الجحيم.. 2200