;
بشرى عبدالله
بشرى عبدالله

صنع عربي ... 1781

2011-03-15 06:56:25


إن زمن الانجازات العربية قد ولى وخفت بريق حضاراتها، حين أنصرف العرب إلى غير الأدوار التي كانوا رواد حكاياتها، بعد أن كانوا أبطال الابتكارات والمعجزات التي أذهلت العالم والتي كانت الدعائم الأساسية التي عبرها نهضت أمم الدنيا ونفضت غبار التخلف من أبجدياتها وقواميسها.
 وبعد أن ظننا أن الشعوب العربية ذهبت إلى مالا نهاية، إلى سراديب السبات واللامبالاة ، محنطة بالذل والخوف ، كل يحصن نفسه ويعزلها عن كل أحداث ومجريات واقعه ليعيش مهمشاً بدولاب الحياة تتقاذفه الأيام المستعرة بلهيب تقلباتها اللامنتهية.
لم نكن حتى الأمس القريب نظن أن لهذه الشعوب موعداً مع الحياة، مع الصحوة بسبب ما قد لمسناه في هذه الشعوب من أحداث لقضاياها، ومعتقداتها وحتى إنسانيتها واشتدت بهذه الأمة المهالك وصار الكل يلعب بتضاريسها وخرائطها وحتى مستقبلها ولم تحرك ساكناً، قتل من قتل، دمر ما دمر وكأن عين الشعوب كانت معصوبة بالخوف والخنوع والذل.
حتى تلاشت من ذاكرتنا هذه الشعوب ولم نعد نتحدث إلا عن مجموعة من الفاسدين والمستبدين والذين يعبثون بكرامة شعوبهم وبتاريخهم.
وفي عام 2011م قررت الشعوب الانتفاضة، لم يكن جسد بوعزيزي إلا عود ثقاب أشعل النار في الهشيم، لتخلع الشعوب ثوبها القديم ، فترسم تفاصيل ثوبها الجديد وبصنع عربي خالص، مع أنها اعتادت أن تستورد كل عتاد الحياة من الآخرين، لكنها تحولت لتصنع ثوبها بأنامل شبابها الثائر ، إنه الثوب الذي سترتديه الأرض العربية مالم تدنسه إي ألوان أو تفاصيل أجنبية ولأنها لم تقتصر على خلع هذا الثوب المهترئ المدنس لتستبدله بثوب الكرامة والحرية والعز فقط وإنما قلبت كيان هذه الأمة.
إنها الثورة، صنع عربي خالص وبكل فخر أشيد بهذه الصناعة الجديدة والمبتكرة على مستوى العالم، بل أنها أصبحت ثقافة ترسم الآن ملامحها على جدران الشوارع وفي الألواح والأوراق والهتافات كلها أصبحت متاحف تحمل رسائل يفهمها كل المجتمع لتتحول إلى إبداع جماعي تعلمنا من خلاله كيفية التعامل مع التغيير وإعادة النظر إلى المشكلات التي طالما عايشناها لكن من منظور مختلف.
لقد تفننت شعوب التغيير بانتقاء أدواتها وباستخدامها والتي عبرت بإيضاح عن مطالبها عن حاجتها لنظام جديد تستوعبه غير ذلك النظام المهوس بالماضي والمتخوف من المستقبل.
إنها طاقة حقيقية تموج في الشارع تغلبت على أحاسيس النفس والذل والقهر التي كانت تعيشه لتكتسب إحساساً جديداً يترجم تطلعاتها، لكنها اليوم لم تتخل عن جذورها عن ثقافتها المحلية ، بل كل شعب عبر عن تجربته، عن الأحداث اليومية بلغته الوطنية الخالصة، بعيداً عن التقليد الساذج ليرتقي بثورته إلى مستويات المشاركة والصنع وكل فرد فيه يطمح لأن يكون رائداً لتغيير وممن يساعد على الانتقال بمجتمعه إلى مستوى الحرية والكرامة، و العدالة الاجتماعية.
ثورة عرفت بالشباب العربي للعالم وكأنه لم يكن هنا من قبل، كأنه أتى من عامل الصدفة من مكان ما، لنتعرف عليه، لنقرأ تفاصيل شخصيته، نبحث في أبجديات أحاديثه، نتنبأ من شعاراته للكائن الجديد الذي بدأ ينمو في داخله، للكرامة ،للعز، للإرادة، لكل مسميات القوة وبالقوة استطاعوا أن يذهلوا العالم من حولهم ليجعلوا من ثورتهم ثقافة، حضارة تم تجسيدها في الواقع كحقيقة له حق المشاركة والمبادرة ما دام لن يعبث في أساسيات أهدافها النبيلة.
وكما أن لكل صناعة سلاح ذوي حدين وبما أن الثورة سميتها بالصناعة العربية، فإنها اليوم سلاحاً ذو حدين، فهي إيجابية حين تدعمها كل طوائف وشرائح المجتمع بانتماء وطني واحد وبهدف مستقبلي واحد، كل يصنع جانباً من التغيير بأسلوبه السلمي وبأدواته المتاحة وبقدراته لكن في إطار الجماعة والوحدة الوطنية حتى لا يستطيع من اعتاد أن يتلاعب بأحداث التاريخ ومجريات التحرير أن يستغلها لأغراض خبيثة وضيقة لا تتصل بالتغيير والنضال والحرية بأي صلة، وحتى لا تعطوا فرصة لمن ينكر حقيقة التحديث التي تقضي إلى التغيير والحداثة لأن يكرس ماضيه المميت القاتل عقيدة وفكر وسلوك لكم وللأجيال القادمة.
وسلبية حين تستخدم هذه الثورة كأداة للاستغلال والتلاعب من الداخل أو الخارج ومن كثيرين اعتادوا التسلق على الهياكل والجثث ليصلوا إلى مآربهم المريضة ومصالحهم الذاتية وكم هم المتربصون بهذه الثورات، وكم هم التواقون إلى أن يلعبوا بأساسياتها وأهدافها ونتائجها حتى يجروها إلى مالا قامت من أجله ولذلك على هؤلاء الشباب، هؤلاء المبدعون حقاً أن يحذروا ممن اعتادوا سرقة الإبداع لينسبوه إليهم أو ليوظفوه لمآربهم المريضة.
وخلاصة القول: الثورات التي قامت وتقوم هي إما أن تصقل وتؤصل وإما أن تسرق وتقتل فعلى الشباب أن يسري بإبداعه الثوري حتى يصبح صرحاً لايهدم ونجماً لا يخفى وثمرة لا يطالها إلا من يستحقها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد