العنوان المثبت هنا، ليس نقلاً ولا استرجاعاً لواحد من الشعارات التي كانت الجماهير العربية ترفعها في الخمسينات من القرن الماضي، فترة تصاعد المد القومي والثوري، وإنما هو التجسيد الحقيقي للحظة العربية الراهنة وما يرافقها من عودة الوعي ومن إحساس عميق بوحدة الوطن العربي من خلال الأفعال والوقائع اليومية . حيث يشهد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج حالة نهوض شامل لاستعادة سيادته وقراره الوطني والقومي، فقد عاد إليه الاحتلال من النوافذ بعد أن خرج من الأبواب . وصار حتماً على هذا الوطن الكبير أن يستعيد حريته وكرامته وتأكيده على أنه وطن عربي واحد، في الهم العام وفي المصير، وفي الرؤية المشتركة إلى المستقبل .
ولم يعد هناك أدنى ريب في أن هذا التحول الهائل والمثير قد كان مفاجأة للغرب وللولايات المتحدة خاصة، وهي التي اعتقدت لسنوات أن الوطن العربي أصبح في جيبها وجزءاً من ممتلكاتها ومناطق نفوذها وهيمنتها الدائمة، وبقدر ما كانت الأحداث الجارية مفاجأة للغرب وللعالم أجمع فقد كانت بمثابة تحصيل حاصل للإنسان العربي الذي طفح الكيل به، وهو يرى بعد مرور سنوات طويلة، ما اعتبره استقلالاً، قد تلاشى وأصبح وطنه خاضعاً لما هو أقسى من الاحتلال المباشر (الاستعمار الداخلي) لا سيما بعد الدور الموكل إلى الكيان الصهيوني في إذلال الأمة وتحدي مشاعرها والاستهانة بمقدساتها، وما رافق ذلك كله من صمت أغلب الحكام العرب، ليس لذلك فحسب، بل وصل الحال إلى أن تفتح بعض العواصم العربية أبوابها للتمثيل الدبلوماسي والاقتصادي مع القتلة وترفع علم الصهيونية فوق سطوح مبانيها .
وتأسيساً على ذلك فلم يكن مستغرباً ولا مفاجئاً أن تهب الأمة وأن تثبت وجودها وقدرتها على الخروج من دوائر الحصار السياسي والإعلامي الذي يشوه صورتها ويزور مواقفها ولا يعكس سوى مصالح بعض الحكام الذين باعوا أنفسهم وحاولوا بيع أمتهم للشيطان، مقابل وعود وأحلام لا تقوم على شعور بالمسؤولية والاحساس بالحرية والكرامة . وما يلفت الانتباه أكثر في كل ما حدث ويحدث أن شعوراً وطنياً وقومياً مشتركاً كان وراء هذا التطلع والبحث عن التغيير الشامل، وأن التحدي لم يأخذ بالأساليب القديمة التي أخذت طابع الاجماع الشعبي ما أفقد الأنظمة وأجهزتها القمعية القدرة على السيطرة وحماية نفسها من الزحف الجماهيري الشامل .
وهكذا هي الشعوب، تنام، أو توهم المستبدين من حكامها أنها نائمة، ثم تفاجئهم بما لم يكن في حسبان أحد منهم، معلنة أنها لم تكن غافلة عما يعملون ولا متجاهلة ما يصنع الآخرون لإبقائها في معترك الصراع مع الخبز الذي بات نادراً بعد سلب الحرية التي هي رديف الحياة والضوء والتنفس، ومن أجلها، من أجل الحرية أولاً، والخبز ثانياً، والكرامة الوطنية والقومية ثالثاً، خرجت الجموع في أنحاء الوطن العربي الواحد، والأهم من كل ذلك خرجت من أجل كرامة هذا الوطن والمواطن، واحترام ثوابته التي اخترقها بعض الحكام من خلال التعاون اللاقومي واللاأخلاقي مع القوى المعادية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذي لم يترك محرمة لم يرتكبها ولا خيانة لم يقترفها في حق أشقائنا في فلسطين وجيرانهم .
نقلاً عن الخليج الإماراتية
عبد العزيز المقالح
وطن عربي واحد 1949