أصبحت الحرية في متناول الجميع وجملة (أنا حُر) أصبحت على لسان الكبير والصغير، فالكل في الشارع وفي البيت ينطقون (أنا حُر)، حتى طفلة السبع سنوات حينما أوبخها على ذنب اقترفته ترد (أنا حرة) والمختصر المفيد أن الشعب كله حُر.
لكن إذا بحثنا عن الحرية في أوساط أفعالنا على أرض الواقع سنجدها كلمة لا محل لها من الأفعال، فالكل يتحدث عن حرية مفقودة نسبياً على أرض الواقع، أقرب مثال من داخل المنزل، فمع الوضع السياسي الراهن وعلى موائد النقاش بين أفراد الأسرة، تعتلي الأصوات، وتشب المعارك، وتستخدم الأسلحة المنزلية بسبب ديكتاتورية الآراء أو كما يقول المثل الشعبي (حبتي وإلا الديك)، ومروراً بالشارع وفي وسائل المواصلات لا تسمع إلا مقالعات وألفاظ بذيئة من الركاب وأصحاب الباصات، على ليش أنت مع فلان، والثاني مع زعطان، دون احترام للرأي والرأي الآخر وآداب النقاش والحوار.
ألسنا في بلد الحرية وبالذات حرية الرأي وإلا قصدنا نقول حرية والسلام.. فإذا كنت لا تحتمل سماع رأي آخر بهدوء وإنصات وتطلق العنان لسهام لسانك للسب والشتم فهذه ليست حرية..
إحدى الأخوات في حوار عن الوضع السياسي، تلتزم الصمت لمجرد الخوض في حوار سياسي، بسبب عدم احترام رأيها، بعدما تعرضت لهجوم عنيف من بعض الأشخاص، لمجرد قولها بأنها ضد الفتنة، بينما الأخرى تشخط وتنخط، فيمن هب ودب إذا تعارضت أرائها مع آراء غيرها، فأين الوسطية؟، فما بين ديكتاتورية الآراء والتزام الصمت ضاعت الحرية..
بعيداً عن السياسة، وكون الحرية مطلباً تنشده الشعوب المضطهدة والواقعة تحت قبضة الاستغلال وقيود الظلم، فالمرأة الشرقية تطالب كغيرها بالحرية امتثالاً بجارتها الغربية، فالثانية طالبت بحريتها ونالتها، فهي حرة 100%، أما تلك الشرقية، فهي كما تنظر إلى نفسها امرأة مقيدة ومستغلة، لذا فالمرأة الشرقية بحاجة إلى مرآة مستوية كي تنظر إلى نفسها بوضوح، بدلاً من أن تقود سفينتها إلى مكان مجهول وعاقبة غامضة تحت ذريعة الحرية.
وللأسف، فهذا اللفظ يندرج تحت رايته العديد من المفاهيم العليلة والخاطئة متلبسة برداء آخر مزخرف تذهب به النوايا إلى قعر بئر.
لذا لا بد أن نضع للحرية ثوابت وحدود، فلا يعني أنك (حُر) بأن تقمع حرية الآخرين، ولا يعني أن تخرج بها عن المألوف، فلتأخذ من الحرية حقوقك وأعطي للآخرين منها ما يستحقون.
ومن جهة أخرى، فلنوجد للحرية حدوداً على خارطة الحياة، فما زلتُ حينما أسمع أي شخص يقول (أنا حر) أتذكر أن فلسطين أيضاً حرة.
أحلام المقالح
أنا حُر ....... 2153