بمنَّةٍ وفضلٍ من ربنا قلت في كتابات سابقة: أنَّ الإنسان مستخلف من رب العالمين، ليعمر ويبني الأرض التي أوجده عليها وفيها الخالق سبحانه وتعالى، ثم يأتي بعد التعمير والبناء ليقيم وينسج العلاقات الاجتماعية بين مختلف الشرائح والفئات، وهي ضرورة من ضرورات الحياة واستمرارها وتداول الأيام وريعها فيما بينها.
وها أنا أكرر اليوم وأعيد الكتابة في ذات المضمون إيماناً مني أن تلك رسالة عظيمة ونبيلة تقع على كواهلنا جميعاً، والواجب يحتم علينا أن نبين الحقيقة ونظهرها وندافع عنها، وألا نغفل عن قول الحق وإن كان مُرَّاً، وأن نتجنب قول الزور وما يغضب ربنا سبحانه وتعالى، أو ما قد يؤدي إلى زرع الفتن والأحقاد والضغائن، لأننا مسؤولون ومحاسبون أمام الخالق جل في علاه، الذي يأمرنا في كتابه الكريم بقوله: "وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا".
فيجب ألاّ نخاف في الله لومة لائم، وأن نبين للناس أين هي مكامن الخطورة ومن الذي يصر على إتباع خطوات الشيطان،سيما في مثل هذه اللحظة الخطيرة التي نمر بها جميعاً؟ وهي لحظة مصيرية تضعنا أمام مفترق طرق، نجد أنفسنا بعدها نعظ على أصابع الندم حينما لا ينفع ولا يقدِّم ولا يؤخر الندم.
إن الوطن اليوم بحاجة إلى المزيد من البناء والتعمير ونشر وتثبيت دعائم الأمن والأمان والتنمية، بحاجة إلى زرع بذور المحبة والألفة والإخاء بين أبنائه بمختلف شرائحهم السياسية والاجتماعية والثقافية والجغرافية، بحاجة إلى ما يجمع ويوحد الصفوف لأنه أمانة في أعناقنا سلطةً ومعارضة دونما أي تجاوز أو استثناء أو اتكال.
أقول ذلك لأننا جميعاً نرى ونلمس من يريدون أن يزرعوا ويعمّموا ثقافة الهدم لهذا الوطن، التي تؤدي إلى التنكيل بالشعب تحت مسميات وحجج بالية ووهمية ظاهرها الحب وباطنها عكس ذلك.
ولعمري إنها ثقافة لا يجيد فن اللعب على أوتارها إلا من سفه نفسه وحل عليه غضب رب البرية، لأنها تتعارض والنِعَم التي أكْرَمَنَا بها رب العالمين، ومن واجبنا الشكر والحمد له ورعايتها والمحافظة عليها، لا برفضها والانقلاب عليها، والله المستعان.
عمر محمد بن حليس
ثقافة الهدم ... 1865