لم يكن يتوقع أكثر المتشائمين على امتداد العالم أن يصل الحال في ليبيا إلى هذه الحالة المزرية,والى هذا الوضع المتردي والمخيف، الذي زلزل كيان الدولة وأخل بنظام الحياة فيها وعطل المصالح وهيج الحكومة ضد الشعب ومحاولة قمعه بشتى الوسائل الإجرامية والحربية لردع المتظاهرين المطالبين بإسقاط النظام..ولم يتوقع أحد أن يصل الرئيس القذافي إلى حالة هستيرية خرج فيها عن طوره واستخدم كافة الوسائل الترهيبية والقمعية ضد شعبه غير آبه بهم أو بمصالحهم وغير مهتم بالطريقة التي استخدمها لقمعهم.
فبدلاً من أن يحاول تهدئة الأوضاع وامتصاص غضبهم بوسائل حضارية تدل على اهتمام الرئيس وخوفه على شعبه وحرصه أن يظل الشعب آمناً مطمئناً لا يزعزع كيانه شيء,ولكي يثبت فعلاً أنه قيادي وثائر محنك يتعامل مع المآزق بعقلانية وحنكة ورجاحة عقل، ولكي يحفظ ماء وجه دون تهور أو استعجال ودون أن يضر شعبه بشيء..إلا أن العكس كان هو الحاصل فقد اتسمت سياسية القذافي بالعنف والقوة والغطرسة والألفاظ الاستفزازية والنابية,ولم يلق بالاً لأحد, لا لشعبه ولا لجيرانه وأشقائه العرب, ولا للمجتمع الدولي الذين يرون في سياسته الرعناء تعدٍ سافراً على الحريات وانتهاكاً للحرمات الآدمية التي لا ينبغي لأي شخص التعدي عليها لأي سبب.
ما يجري للشعب الليبي من قتل وتدمير وترويع جريمة ومأساة تعدت الحدود وتجاوزت المحظور شرعاً وقانوناً وأظهرت أن القذافي لا يهتم إطلاقاً بشعبه وأن الكرسي والسيادة أهم بكثير من دماء الأبرياء الذين قصفتهم الطائرات والدبابات وحصدتهم أسلحة المرتزقة المندسين والمستوردين من خارج البلاد وتأجيرهم لأحداث الفوضى.
أظهرت سياسة القذافي أن الشعوب في نظر الساسة ما هم إلا عبيد وليس لهم أدنى الحقوق وأقل القليل,وأن الرئيس إن دعت الحاجة للقتل والتدمير فلن يردعه شيء في سبيل أن يظل هو الآمر الناهي وهو المتسلط والماسك بزمام الأمر أبد الدهر, متناسياً أن للشعب نصيب في هذا الوطن وأن الشعب هو كل الوطن, وأن الديمقراطية هي الحق المشروع الذي كفله دستور كل بلد طالما وهذه الديمقراطية تمارس بطريقة عقلانية ومشروعة، وتعبر عن رأيها بالطرق السلمية المتاحة وتطبيق لهذه الديمقراطية التي يتشدق بها ويدَعونها الزعماء الإجلاء ويقولون.. إنهم ينتهجونها في شتى المعاملات الحياتية والسياسية وأنها حق مكفول ينبغي التعبير عنه من أجل سلامة الدستور.. أما إن كان القذافي وغيره سيواجهون شعوبهم وغيرها بالسلاح بدلاً من رحابة الصدر فقل "على الدنيا السلام" وتأكد أن هؤلاء "بائعو كلام" وأنهم يخفون حقيقتهم خلف الكلمات المعسولة والروتوشات الزائفة والكاذبة.
ليبيا لم يتوقع أحد أن تغدو اليوم كما هي ولم يتوقع أحد أنها ستحترق بنيران شعبها وأنها ستخسر شبابها وأطفالها ونساءها, وـن الطمع والجشع سيكون سيد الموقف وأن القذافي سيتمسك بكرسيه بهذا الشكل المستميت، الذي لا ينم عن حرص وخوف على أمة بأكملها بل يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن الكرسي والسيادة هم الأهم, ولو أنه فعل كذا وتنحى لكفى الله المؤمنين شر القتال.
فهد علي البرشاء
ليبيا.. وسياسة الدم 2192