إن أقرب ما يكشف هويتنا هو أعراسنا اليمنية والذي برغم وجود نكهة خاصة لها توحي بالموروث الأصيل وليالي الأُنس إلا أنها لا تخلو من شوائب الإزعاج ووجع الرأس والتي تتمثل في الاستخدام الخاطئ لمكبرات الصوت، فبدلاً من أن نصحو على صوت المؤذن، فجراً فإننا نصحو على صوت الزفة والأغاني الذي مع كثرة المُكبرات المزروعة في منزل العُرس تهتز لها الشبابيك ويصحوا منها الجن قبل الإنس، فإذا نظرنا لهذا السلوك الشائع من باب الذوق العام وفن الإتيكيت لوجدنا أننا مخطئون واليمنيون فقط من يمارسه .
فالآخرون ضجيجهم لا يستمر أكثر من يوم أو يومين فقط وبأوقات محددة عكس ما يحدث عندنا، فالأغلبية يبدأون الضجيج من قبل يوم الزفاف بأسبوع وأحياناً يستمر إلى ما بعده ,ليل ونهار تهتز المكبرات ضجيجاً دون مراعاة وآذان مؤذن الجامع وعزاء ميت مُجاور ((والحي أبقى من الميت!!))...
المشكلة لا تتمثل في طبيعة الأعراس اليمنية وإنما في الضجيج الذي يعتبره البعض نوعاً من (الزَقع)وهو (زَقع ووجع رأس) وتندرج تحته الحفلات التي تقيمها الفرق الغنائية ليلاً والتي تستمر إلى ما بعد منتصف الليل والتي يتجمّع فيها الشباب والراقصون من كل حدبٍ وصوب، ليس لقصد تهنئة العريس الذي يكون غالباً غريباً عنهم ولكن للرقص وإثارة المشاكل (والمهم وجود فِرقة ويكون العريس من كان)وتنتهي هذه الحفلات بالمشاكل وأقسام الشرطة..
والمشكلة هنا أيضاً لا تتمثل في وجود هذه الفرق الغنائية وإنما في انعدام الذوق العام لدى الحضور، فعادةً ما تبدأ الحفلة بالفرح و(السلَى) وتنتهي بشغل العصابات والبلطجة .
أنا لا أنكر ضرورة تواجد مثل هكذا مراسيم لتعزيز روح مشاركة الفرح بين أبناء المجتمع ولكن بالضرورة معرفة أن لكل شيء حد والناس أذواق.
فليس ضروري نشر مكبرات الصوت على كل زوايا المنزل وفتحها من الصباح الباكر وإيقاظ الموتى ,,, كما أن هناك الكثير من السلوك الخاطئة والتي تعكس جهل الأغلبية بالذوق العام، منها إطلاق الرصاص والذي مع انه مُنع إلا أن هناك من يطلقه كإحدى مراسيم الأعراس ولا ننسى الطماش وحالات الفزع التي تنتاب المارة بالطريق حينما يقذفه الأطفال والشباب أمامهم.
للأسف لم نع بعد أن هذه الاحتفاءات هي فرص للمّ الشمل وبث الفرحة و كسر الحواجز التي ترسمها ظروف الحياة على الأهل والجيران فيما بينهم ولا نُنكر أن هناك بعض المراسيم التي تجذب الأنظار إليها خاصة الأجانب، لاسيما فيما نُسميه بزفة العريس ومراسيم خاصة للعروس والتي تختلف من منطقة لأخرى.. إذن فلا داعي لتشويه هذه المشاهد الجميلة لتاريخ وعادات اليمن بشيء من الجهل وقلة الذوق.
و ليس بالضرورة أيضاً أن ندرس فنون الإتيكيت حتى نتعلم الذوق العام ولكن ينبغي أن نعرف بوجود نقص بمعدل الذوق العام لدى الأغلبية من المجتمع ونغيره حتى تُشرق الصورة أكثر للبلد.
أحلام المقالح
أعراس ووجع رأس 2432