قصة مؤثرة جداً حقيقية حدثت لصديقة عزيزة على قلبي جداً وهاهي اليوم بين أيديكم على هذه المساحة الصغيرة بقلمها وسأترك لها الحديث:
الإخوة والأخوات الأعزاء قصتي حقيقية تصف حادث صار لي قبل ثلاث سنوات فأرجوا أن نستفيد منها جميعاً..
في ذلك اليوم صحوتُ بعد إغماءة قصيرة وأنا تحتَ باص كبير ويدي عالقة في (الصَبَرَة)- كما سموها لي بعد الحادث - وقد التهمت خماري وهو بدوره لف معه يدي اليمنى كنت أقول لنفسي لعله حُلم بل بالأصح كنت أرجوا أن يكون حُلماً(يا رب يكون حُلم) ولكن نفسي تقولُ لي أن الألم الفظيع الذي كان يعتصرُ جميع جسدي يؤكّدُ لي أنهُ ليس حُلماً بل واقعاً وحقيقة!!.
تذكرتُ أني كُنتُ أعبُرُ الشارع قبل لحظات وهو فارغ من السيارات ما عدا من باصٍ كان قد مرَّ مسرعاً من أمامي قبل أن أعبر بقليل فظننته سيُكملُ طريقه وحين عبرت عادَ مسرعاً إلى الوراء وصدمني فسقطتُ مغشياً عليّ للحظات أو دقائق لا أدري؟.
والآن أنا عالقة تحت الباص وهو يرجع للوراء مسرعاً وجسمي يرتطم بالأرض على الإسفلت الحار ويكادُ يحترقُ مِنه وأتخبطُ كأنني في دوامة من إعصار شديد..
كنتُ أصرُخُ من الألم وأترجى سائق الباص أن يتوقف ظناً مني أنهُ سيسمعني، حاولتُ أن أُثِبتَ جسمي في الوسط كي لا تدوسني إطارات الباص ولكن يدي العالقة لم تترك لي الفرصة لذلك . فاستسلمت لأمرِ الله وقلتُ لِنفسي :لعلها النهاية وأن هذا الحادث سيكون سبباً لموتي فأجبت : بل أكيد هي النهاية، فلا يوجد مكانً في جسمي ليس بِهِ جروح ويدي اليُمنى قد قطعت من تحت الكتف بقليل وما زال جسمي عالقاً ومحشوراً تحت الباص ورجلي اليُمنى قد كُسرت، ما زلتُ خائفةً لكن ليس من ألم جسدي، فهناك ألمً آخر يعتصرُ قلبي ويكادُ يقتلُهُ وكأنَهُ يُسابِقُ الباص في القضاءِ عليّ.. إنَهُ ألمُ النَدم على ما فوته من طاعة الله؟
مرت في ذهني تساؤلاتٌ كثيرة:
من أين سيظهُرُ لي ملكُ الموت ؟ من يميني أم من يساري ؟
من سيكون معه ؟ ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟، هل سأُبشرُ بالجنةِ ونعيمها ؟ فرحمةُ ربي واسعة، أم بالنار وجحيمها، فابنُ آدم خطّاءٌ وظالمٌ لِنَفسه؟
كُنتُ أشعرُ بالخوف الرهيب الذي لا يوصف ..
ماذا سأقولُ لربي وخالقي حين يسألني عن صلاتي التي أهملتُها كثيراً؟
وعن صيامي الذي أهملتُ قضاءهُ كثيراً؟
وكُنتُ أشعرُ بالخجل والحياء الشديدين من خالقي ومعبودي سبحانه ..
فقد أعطاني الكثير والكثير من النِعم ولكنني ماذا فعلت؟
لقد رددتُ إحسانهُ لي إساءة إلى نفسي بعصيانِهِ!!
ورددتُ كَرمهُ عليّ بُخلاً على نفسي في شُكرِهِ وذِكرِهِ وعِبادته!!
ورددتُ حلمُهُ عليّ جهلاً على نفسي بعدم الرجوع والتوبة إليه!!
ورددتُ عدلَهُ فيّ ظلماً لنفسي!!
حاسبتُ نفسي في تلك اللحظات الأخيرة من حياتي - كما كنت أظنُ يومها –
وندمت لأني لم أحاسبها قبل تلك اللحظات، فأينَ كُنتُ قبل هذا؟
لقد أدركتُ حينها أن نفسي الأمّارة بالسوء قد خدعتني وخذلتني ووقعتُ في شِراكها، ولكني أنا من أعطاها الفرصة ولم أردعها وأزجرها وأجاهدها قبل ذلك إلا القليل القلـيل من المرات!
كنتُ أبكي ندماً وخوفاً وأنا أردد:
( يا رب)!!..
يا الله يا الله أرحمني برحمتك يا رحمن يا رحيم
يا الله يا الله تولني بكرمك وإحسانك يا عظيم يا كريم
يا الله يا الله اغفِر لي وأعفُ عنيُ يا غفور يا عليم
ولشدة الألم الذي في نفسي لم أعد أشعرُ بألم جسدي
كُنتُ أتمنى أن أعود للحياة ليس حباً فيها ولا كرهاً للقاء ربي
بل لأسجد لله سجدةً خاشعةً وأنا متذللةً بين يديه وراجية لعفوه وكرمه ولو ليومٍ واحد
لم أفكر في أولادي ولا في زوجي ولا في أحد من أهلي
بل في نفسي وتقصيرها ورجائي بربي أن يغفر لي ويعفو عني
توقف الباص لوهلة فلاح لي باب الأمل في العودة من جديد لتعويض ما فاتني
ولكنَهُ أستأنف طريقَهُ .. ولكن هذه المرة للأمام وليس للخلف
فتغلق أمامي باب الأمل من جديد واستسلمتُ لأمر الله
فلجأت إلى الله سبحانه وتعالى الذي لا ملجأ ولا منجى منهُ إلا إليه
وظللتُ أرددُ الشهادتين وأنا موقنة بأنهُ الموت وأنني سأرى ملك الموت في أي لحظة
كل هذا مر في دقائق معدودة ولكنها مرت عليَّ كسنواتٍ عديدة
أوقفت الشرطة والمرور سائق الباص وتجمع الناس حول الباص وقاموا برفع الباص عني ودخل رجلان منهم وغطوني بشيلانهم وسحبوني برفق إلى الخارج
فتنهدتُ تنهيدة عميقة حتى ظنوا أن روحي قد خرجت إلى بارئها
ولكنهم سمعوني وأنا أُرددُ الشهادتين ورأيتُ نوراً قوياً في الأعلى يكادُ يخترق عيني – لعلهُ نور الشمس –
ولكني لسببٍ ما كُنتُ مُوقنة أنهُ نور من الله سوف التزمهُ من الآن وصاعداً، وأعود إليه وأتبعهُ ما حييت
فبقدر خوفي من عقاب الله بقدر فرحتي في تلك اللحظة برحمتهِ وإحسانِه
ورجائي من الله بأن يغفر لي ويرحمني و يهديني ويثبتني على طاعته
عُدتُ من الموت بعد أن أيقنت أني لن أعود وأعوض ما فاتني
فهل كل ما أخطأنا وأهملنا ديننا واقتربت نهايتنا سوف نعود ونكفر عما فاتنا
فهل سنظلُ نؤجل التوبة ومحاسبة أنفسنا إلى حين لا ينفع الندم وهل تنفعُ التوبة وقت الموت؟
لا بل يجب علينا أن نحاسب أنفسنا ونتوب إلى الله كل يوم وكل ليلة، بل وفي كل لحظة
فالموت قريب منا ولا ندري متى ينقضُ علينا ونندم بعد فوات الأوان
هذه قصة توبتي كتبتها للعظة والعبرة وأسأل الله العظيم أن لا يُريكُنَّ مكروهاً وأن نعيش جميعاً في طاعة الله ورضوانه.
ملاك عبدالله
عُدتُ من الموتْ!! 2088