1. كمائن العقل اليمني:
يتعرض العقل السياسي اليمني لكمائن ليست حديثة عهد.. أو بنت أفكار لحظتها.. فهي وجدت وترسخت وفرضت خطابها بفعل الموروث الجامد، الذي لا يرى من المشهد السياسي سوى رأس هرمه.. وعلى "موزاييك" هذه القمة ينبغي جبراً أن تتناغم وتتخذ آراء القاعدة.. وتكرس تنوعها لإظهار بهاء وجمالية قمة هرم المشهد السياسي حتى وإن كان قبيحاً مهترئاً.
هكذا بدأ ويبدو وحتى الساعة العقل السياسي مشدوداً –حد الاختناق- إلى بؤرة الضوء ومركز القرار، حيث تتناسخ المواقف وتتكرر الصورة، ويسود خطاب المركز بأكثر من لسان وفكر ولغة رتيبة.. لغة تقرأ الحراك وتضبط التوترات على إيقاع خطى الزعامة الهرمية، فكل تنوع إن لم تصب روافده في ذات المنبع ممنوع بقوة العادة، وسلطات الموروث القامعة.. وكل إثراء للفكرة أو مخالفة لها يعد انتهاكاً لقدسية النص الزعامي السائد.. وخروجاً سافراً عن الحقيقة المصادرة من الجميع إلى حجر "الزعيم القائد الفذ".. حيث تتصل الحقيقة بالزعامة في الواعي السياسي النخبوي برابطة واحدية الانتساب: الزعامة الواحدة، والحقيقة الواحدة، غير القابلة لتجزئتها أو امتلاكها من قبل أطراف متعددة ورؤى مختلفة.
هذه الكمائن مازالت متربصة وكامنة في غور سحيق مظلم، غير مرئي في الوعي السياسي اليمني.. وهو وعي يضخم صورة رأس القمة/الفرد.. وخطابه الصاخب الطاغي على تأملات وقراءات الجميع.. باسطاً سلطته الاستلابية لتصبح نمط حياة واعتياد وعادة.. لا تقتصر على الحكومات والأجهزة التنفيذية التي درجت على تأليه وعبادة وتنزيه الفرد أياً كان زعامة أو مؤسسة، بل الأخطر أن وعياً زائفاً كهذا يختزل فعل المؤسسة وحركيتها وقدرتها على المبادرة، قد تطاولت نبتاته الشوكية واتسعت وخزاتها لتطال الأحزاب والوعي النخبوي والصحافة -صحف وصحفيين- حيث ترسم العلاقة ابتداءً من العقل الباطن وقوة العادة بين الرعية والسيد وفقاً لتبعية الأول واستعلاء وعصمة الثاني.
2. داء الزعامات:
"عظمة صغيرة لا تكاد ترى من قحف الجمجمة".. هذا كل ما تبقى من الدكتاتور النازي "أدولف هتلر" والذي عرضته المخابرات الروسية قبل عدة أشهر كأحد أهم مقتنياتها.. عظمة من جمجمة فارغة لشخص أشعل حرباً عالمية راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر، منهم عشرين مليون نسمة من سكان ما كان يعرف بـ"الاتحاد السوفيتي" فقط، فهل كان المذكور طيب السمعة عظيماً حقاً كما يدعي بعض المؤرخين؟، أم أنه كان مجنوناً لا أكثر ولا أقل؟، إن العظمة أو "البانوراما" كما تسمى في علم النفس، ليس حكراً على نزلاء مستشفيات ومصحات الأمراض العقلية، لكنه داء الزعامات الفارغة المشحونة بعُقد النقص وخيالات الإدعاء "الديماغوجية"، فلو لم يصل "هتلر" إلى منصب رئيس أو مستشار ألمانيا لانتهى به الأمر في إحدى المصحات العقلية ولظل "دهاناً" كما بدأ حياته في "فيينا" ولكنها أقدار الشعوب!، كما يمكن أن يبرر ما صنعه بالبشرية.. على ضوء ذلك يبرز سؤال ملح ومهم وهو: كم مجنون يتربع على سدة الحكم ورقاب العباد ومصير البلاد في العالم الثالث وبالذات العالم العربي؟، كانوا لا شيء أو أشخاص عاديين وشبه متعلمين وبعضهم بل معظمهم "جندرمه" –عسكر- يجهلون ألف باء السياسية والإنسانية والمدنية والحضارة، اللهم إتقانهم "الفهلوة" و"العيفطة" وسفك الدماء وعشق رائحة البارود، والتآمر على المواطن والوطن ونهب وسلب مقدراته وثرواته.. الجواب متروك للتاريخ الإنساني الحافل بشتى المجانين!!.
alhaimdi@gmail.com
محمد الحيمدي
دبوسان..... 1340