;
بشرى عبدالله
بشرى عبدالله

الخطاب التسلطي والنظرة الدونية... ثنائيات يسقطان الأنظمة العربية 2020

2011-03-07 01:50:10


من يتتبع المشهد السياسي العربي يدرك تماماً أن ثمة صراعاً تخوضه الأنظمة العربية ضد شعوبها مجابهة حركة الثورات التي أتت على هذه الأنظمة ناسفة بكلما كانت تعتقده مصدراً تستمد منه شرعيتها وبقاءها.
ولا يخفى على أحد محاولة هذه الأنظمة اليائسة والفاشلة في وقف عجلة التغيير ولا يعزى ذلك الإخفاق لضعف هذه الأنظمة أو لتآمر الغرب عليها كما تزعم، وإنما لكون الثورات التي استطاعت الإطاحة بثلاثة أنظمة عربية وأخرى على طريق الإطاحة تختلف عما تحمله هذه الأنظمة في ذاكرتها عن الثورات التي حدثت في الماضي.
لا أستطيع أن أنكر أن مجابهة هذه الثورات أصبح مستحيلاً على هذه الأنظمة لأن الثورات الحالية لا تتمركز في شخصية واحدة أو مجموعة من الناس أو مؤسسة مجتمعية أو حتى انقلاب عسكري كما كان سائداً في الثورات التي حدثت في الماضي وإنما صارت الشعوب هي صانعة الثورة ومهندستها على أرض الواقع، ولا يستطيع أحد اختزال هذه الثورات في شخصية واحدة أو لعامل واحد، ولذلك أعتبر الوقوف أمام هذه الثورات مستحيلاً لإيماني بصعوبة الوقوف أمام الشعب، ومن يعتقد غير ذلك لا يمكنني أن أصفه ألا بالجهل، لأن الشعب هو الأرض ، هو الدستور والشرعية.
وإنني على يقين أن حكام الأنظمة العربية لم يكونوا يتوقعون أو يتخيلون قيام مثل هذه الثورات، ولا أعتقد أن هذه الثورات قامت تبعاً لعامل التقليد أو للتآمر الخارجي أو إلى ذلك وإنما جاءت نتيجة للتراكمات التي أثقلت كاهل الإنسان العربي.
الفساد، الفقر، غياب الهوية عوامل برزت واضحة في السنوات الأخيرة ما هي إلا نتيجة للفساد السياسي الذي تغلغل في هذه الأنظمة وقد عملت جاهدة في مقاومة كل محاولات الإصلاح والتنوير في مجتمعاتها، وإكساب حتى الحقائق المسلم بها على أنها نوع من الغزو والانحلال والتطرف ما دامت لا تخدم بقاءها أو تنتقص من شرعيتها حتى تضمن لنفسها بقاءً أزلياً في الحكم وأصبحنا نرى ظاهرة غريبة تسود الأنظمة العربية التي يعتقد أنها جمهورية في الحقيقة أو ملكية بغطاء جمهوري يكفل لها الشرعية والتأييد الشعبي.
والنظام اليمني لم يكن بعيداً عن هذه السياسة وقد كان واحداً من تلك الأنظمة ، بل إن أشكال الفساد السياسي في اليمن كان مسؤولاً عن كل النزاعات والحروب التي حدثت في السنوات الأخيرة، ومع زيادته وفي ظل غياب معارضة حقيقية في الحياة السياسية كان له آثاره التي عملت على تردي وتفاقم الأوضاع الاقتصادية خصوصاً على طبقة الفقراء وللأسف حتى المصالح السياسية كانت هي من تخوض غمار التعديلات الدستورية.
إذاً لقد مارس النظام اليمني على شعبه قهراً سياسياً واستغلالاً اقتصادياً وتحكماً ثقافياً وهذه نتيجة طبيعية لغياب الاحترام المتبادل للاختلاف وتنوع الرؤى والاتجاهات وقد سرى تيار واحداً يحكم ويتحكم في مجمل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية في اليمن.
وقد أدى هذا الفساد عمله في الأحداث الأخيرة وذلك عبر اختراقه لأجهزة التعليم والتثقيف والإعلام بأكثر من صورة لتظهر هذه الأجهزة والوسائل الإعلامية صورة أخرى لتحقير الشعب والنظر إليه نظرة دونية، لكنني على يقين أنها لن تصمد طويلاً وستسقط لكونها تنتهج الآن سياسة التفريق والتشطير وتعمل على بث الفرقة وهدم دعائم المجتمع المدني.
لقد أتت ثورة هذا الشعب محاولة ومصرة على تطهير كل مؤسسات الدولة من هذا الفساد لتعيد للمواطن اليمني كرامته ولأرضه سيادتها.. والنظام وبعد هذه المسيرة الطويلة التي عمل من خلالها على تغييب المواطن وتخويفه من التغيير لن يسمح لإنجاح انتفاضة هذا الشعب، لكن الشعب هو من سينتصر في النهاية مع كثير من التضحيات، وقلت كثيراً من التضحيات لأن هذا ما يكشفه الخطاب السياسي التسلطي الذي يحاول الانغلاق بالثقافة الوطنية عن الثقافة العربية القومية من جانب واحد وهو حركة الشعوب وثورتها ليعطي لنفسه أحقية البقاء والاستمرار ولم يكتف بذلك , وإنما لجأ إلى تحقير الشعب من خلال خطاباته والذي تظهر نظرته الدونية للشعب اليمني، ينظر نظرة الأعلى إلى الأدنى لكل من يخالفه في التوجه والمطلب والمسير، متوهماً امتلاكه لكل خصائص الحاكم الحكيم الفطن وكأنما خلق للحكم ولا سواه للحكم وليس في اليمن من يمكنه حكم هذا الشعب.
وذلك لا يجوز على الإطلاق، تحقير الشعب والنظر إليه بهذه النظرة الدونية التي ستعمل على تفجير ثورة حقيقية تنبع من أبسط مواطن يملك كرامة، يعز عليه أن يهان بهذه الطريقة وكأنما خلق تابعا مملوكاً محكوماً لشخص واحد.
إن الاستمرار في هذه الخطابات التي لم ترض كل طبقات المجتمع وفئاته إنما هي محاولة للإنتقاص من مكانه الثورة والثوار، كان الكثيرون يعتقدون أن النظام سيقوم بمعالجة الإخفاقات والقضاء على الفساد واللذين شابا الحياة السياسية والاقتصادية و..إلخ، لمحاولة إكساب رضى الشارع المعتصم بإصلاحات ربما كانت ستخفف من حدة الغضب والسخط الذي يسود الشارع اليمني اليوم، لكنه انتهج سياسة التشوية والتهزيء بالثورة والثوار من خلال خطاباته.
ومع أن سقوط الضحايا وطريقة تعامل النظام مع التظاهرات السلمية المطالبة بإسقاطه زادت مع تصميمها على إسقاطه تحول هذا التشويه إلى تهم لم تسلم منه حتى الوسائل الإعلامية الحرة والمحايدة والتي التزمت أخلاقيات مهنتها من تهم النظام لها بالعمالة وأنها أدوات مؤامرة ضد النظام، ومع أنه يدرك تماماً غياب التآمر على نظامه الحاكم ويعلم علم اليقين بأن الشعب هو من يقود ويدعم هذه المسيرة ومع ذلك فقد تحولت هذه التهم إلى آلية دفاعية في مواجهة الثورة وحركة التغيير.
لكنني أرى الخطاب التسلطي الذي ظهر واضحاً ويظهر على الساحة السياسية وما يتضمنه من نظرة دونية، كان من أبرز عوامل سقوط الأنظمة العربية نتيجة لتكنولوجيا وثورة الاتصالات اللتين كانتا من أدوات الثورة وعملتا على تعرية الأنظمة أمام الشعوب وإكساب الثورات تأييداً شعبياً وإقليمياً وحتى دولياً مع أن الأخير لم يكن عاملاً لإنجاح الثورات، لكنه يكفي أن يكون شاهداً على تسلط هذه الأنظمة وعنتريتها ولم تعمل إلا على ترسيخ الصورة النقية للثورة التي يحاول النظام جاهداً على تشويهها والنيل منها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد