لا شك أن التمديد والتوريث والتأبيد من الأزمات المستعصية والمشاكل المزمنة التي يعاني منها الوطن العربي ويشكو منها الجميع، وخلال العشر سنوات الماضية وصل المواطن العربي إلى درجة الخضوع للأمر الواقع والاستسلام لهذا الوباء القاتل، وأصبح التمديد واجباً والتأبيد حقاً للحاكم والتوريث فرضاً وقانوناً سارياً ودستوراً غير مكتوب..
وجاء على الناس حين من الدهر أصبح التمديد والتوريث كابوساً وخاصة بعد تولي بشار الأسد حكم سوريا خلفاً لوالده بصورة طبيعية وطريقة دستورية حيث تم تعديل الدستور السوري ليتناسب مع مقاس وعمر الوريث، وكان لسكوت الشعب السوري على هذه المهزلة وسكوت بقية الشعوب العربية أثراً إيجابياً لبقية الحكام العرب للسير في اتجاه التمديد الدائم لأنفسهم والتوريث المنظم لأبنائهم، وبينما سقط مشروع التوريث في العراق بسبب الاحتلال الأمريكي والإيراني للعراق وسقوط نظام صدم حسين – رحمه الله – واستشهاد ولديه علي يد القوات الغازية.. ومع ان سقوط نظام صدام حسين كان درساً لبقية الحاكم العرب ودافعاً لهم لترك الاستبداد والتسلط والتوقف عن الفساد والإفساد، إلا أن أحداً منهم لم يفهم الدرس ولم يتعظ بغيره وينجو بنفسه من المصير المحتوم والرحيل المشؤوم، مع الفارق بأن سقوط صدام حسين وإعدامه جاء على يد الصليبيين والصفويين ومات شهيداً وكان اخر كلامه من الدنيا "اشهد ان لا إله إلا الله وان محمد رسول الله"، وكان ذلك من حسن الختام وتوفيق الله وفضله (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).
وعندما جاوز المستبدون المدى وبلغ السيل الزبى ولم يعلم الحكام العرب أن الله عز وجل يمهل ولا يهمل وانه على كل شيء قدير وان الظلم مرتعه وخيم، وجاء أمر الله وخرج الشعب التونسي العظيم مطالباً الطاغية بالرحيل، وفي لحظة تاريخية فارقة وفي ساعة الدعوات فيها مستجابة هرب ابن علي وخرج من تونس مذموماً مدحوراً وخائفاً مذعوراً) بفضل الله عز وجل ثم بفضل ذلك الخروج العظيم والجمع الغفير والفعل السديد والعمل الجديد.
وقد كان الشيخ عبدالمجيد الزنداني صادقاً وعادلاً وموفقاً عندما وصف هذا الفعل بالاختراع والابتكار، وان أصحابه يستحقون براءة اختراع وشكر وتقدير على ما قاموا به وفعلوه والخطأ الذي وقع فيه الشيخ عبدالمجيد حفظه الله انه نسب الاختراع للشباب المعتصمين في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء الذين يستحقون الشكر والتقدير والعون والتشجيع، إلا ان أصحاب الاختراع والمستحقين لشهادة براءة الابتكار هم الشعب التونسي صاحب السبق والمبادرة..!!
والأهم من هذا ان الاختراع التونسي احدث زلزالاً كبيراً وأعطى نتائج وفوائد ومصالح لم تكن تخطر على بال أي عربي بل ان ما حصل في تونس ومن بعدها مصر وما يحصل من ليبيا واليمن وما سيحصل في غيرها من الدول، كان من الأحلام البعيدة المنال والصعبة النوال، فقد زال الكابوس المتمثل بالثلاثي المرعب والمثلث المدمر التمديد والتوريث والتأبيد، وذهب عهد الخوف والكوابيس المزعجة والأحلام المرعبة، ومع اختلاف النتائج وتفاوت الأساليب والوسائل فإن رياح التغيير سوف تأتي على كل الدول العربية، وتدخل الشعوب في مهلة تاريخية جديدة، تستنشق فيها نسائم الحرية وتنطلق في آفاق واسعة ومسارات متعددة وأهداف سامية ومعانٍ عظيمة.
ولو لم يكن للاختراع التونسي إلا أنه اسقط مشاريع التمديد والتوريث والتأبيد لكان كافيه، والذين يطالبون الأخ رئس الجمهورية بضمانات لعدم التمديد والتوريث مخطؤون وغير مؤمنين بما فيه الكفاية بأن الاختراع التونسي والنموذج المصري والمشهد الليبي يعتبر أكبر ضمانة بعد الله عز وجل.. لقد سقط مشروع التوريث قبل التمديد وأصبح التأبيد في حكم المنتهي والمفروغ منه والمقطوع فيه، الناس اليوم يبحثون عن وسائل لاقتلاع (مدمر القذافي) وقذفه خارج ليبيا..
وبالنسبة لبلادنا وفيما يخص فخامة الرئيس علي عبدالله صالح فإنه بصدق لا يستحق مصير السابقين ونحن جميعاً بحاجة للبحث عن وسائل لانتقال السلطة بصورة سلسة وسليمة، وان يغادر الرئيس القصر الجمهوري معززاً مكرماً وان تكون الفترة القادمة مرحلة انتقالية يتم خلالها التوافق والاتفاق على صيغة مثلى ووسائل حسنى لانتقال السلطة عبر اجراءات سلمية وانتخابات نزيهة برلمانية ومحلية ورئاسية، وان يقوم علي عبدالله صالح بتسليم الرئاسة للفائز بالانتخابات والحاصل على الأغلبية النسبية من أصوات الناخبين يا له من واقع كان حلماً فأصبح حقيقة بمشيئة الله عز وجل..
عبد الفتاح البتول
الاختراع التونسي الذي أسقط التمديد والتوريث والتأبيد! 2101