لم أكن يوماً أتوقع بأن مِن قرائي مَنهُم يقرأون لي بالمطاعم إلا حينما جاءتني بعض التعقيبات والتعليقات على كتاباتي من بعض الأشخاص المرتادين لها وكان آخرهم زميلاً أخبرني أنه وجد إحدى كتاباتي أثناء تناوله للغداء في أحد مطاعم الفحسة وتحديداً أسفل (مقلى الفحسة)، فتملكني الضحك بكيف وصل مقالي إلى المقلى فتبادرت حينها إلى ذهني فكرة أن الصحف تذهب – في أغلب الأحوال- إلى أصحاب المطاعم للانتفاع بها ولا أظنها فكرة سيئة أو تزعل، سوى بأنها مؤشر لانخفاض معدل المطالعة لدى الجميع بل وربما تكون فائدة خاصة لمن لا تستوعبهم الساعات ليقرأون فيها، فلربما أثناء الأكل أتيحت له الفرصة للقراءة وببلاش كمان ... وأصبحت مستعدة لأن تصلني ردود من أي مطعم كان و المهم إنها تصلهم ....
للأسف أصبح الأغلبية يتجاهلون قيمة الحرف المكتوب على السطور لغاية نبيلة وليس فضلا من قلم وحبر ...فالقراءة والكتابة ظاهرتان متلازمتان لوعي الإنسان وتفكيره مهما كانت الأسباب والدوافع المختلفة فلا تتوقفان عند حدث ولا تنحصران بفترة زمنية محددة بل هما فعلان يأتيهما الفرد بتلقائية وإصرار والتزام وشغف ويفرزان إنتاجاً بشرياً يظل حياً لفترات طويلة ويحمل في طياته معاني الرقي والتفوق وقدرات التمييز والإبداع ومهارات التفكير السليم وتمثيل المشاعر الإنسانية في أقسى اللحظات وأجمل المواقف، فنحن حينما نكتب نُطلق عنان أقلامنا للتعبير عن الخوالج ونُحلّق في سماء الفكر فلا بأس إن لاقينا بعض الانتقادات البناءة حول محور ما فالكمال لله ولكن المهم أن نعي جيداً أين تكمن الأخطاء ونسارع إلى تصويبها وتخطيها ...
وبمقربة من الموضوع سنجد سبب اضمحلال معدلات القراءة لدى الشباب هو ظهور تقنية الإنترنت والتي تُسهل كثيراً مهمة البحث عن المعلومة والخبر فتجد الشباب أكثر تسمراً أمام شاشة الحاسب أكثر من غيرهم فهم يقبعون على النت لساعات طويلة ويفرغون كبتهم في غرف الدردشة وصفحات المواقع الاجتماعية في حين أنهم لا يمتلكون صبراً لمجالسة كتاب لساعة واحدة...
أنا لا أريد إلغاء شيء اسمه "النت"، وإنما تقليص الساعات التي تهدر أمامه وتعويضها بسعات مع الكتب والصحف والمجلات ...
على الصعيد الشخصي كان الأمر مزعجاً لي حينما أجد غرفتي مكتظة بالصحف والمجلات والكتب خاصة وأنني يومياً أشتري صحفاً أخرى ومجلات ففكرت بطرق للانتفاع بها بدلاً من ركودها في أدراج مكتبي بعد قراءتي لها مرات عديدة فبعثت بعضها لصديقتي وأخرى لأهل بيتي حتى يقرأونها ولكن المُحزن أنها تنتهي أخيراً إلى (تنور الحطب) ...
لذا أعود وأدعو إلى احترام الحرف المكتوب واستيعابه جيداً والانتفاع به قبل أن تنتهي به الأمور إلى المطاعم أو إلى بائعات الملوج أو للنار فتحرقه قبل أن يطأ خلايا عقولنا..
وهي دعوة أخرى إلى من لا تسمح له عقارب ساعته بمطالعة صحيفة بالذهاب إلى أقرب مطعم والقراءة هناك، فلربما استوعب بعض الكلمات مع وجبة تناولها هناك..