ما استطعت بعد الكتابة عن مصر.. مازلت تحت وطأة الحلم, أقلِّب ناظري على صفحات الأطباق الفضائية, والأعاصير المحبوسة خلف الشاشات، لأن مصر هي من أرضعتني مفردات الوطنية وألهمتني الحرية وممارسة التحليق بأجنحة الضوء، والكتابة عنها في هذا التوقيت هو ضرب من التقصير, كون المفردات عاجزة أن ترتقي إلى مستوى الحدث.. لقد فاجأتني هذه الثورة، فكبلت محبرتي وصلبتني أمام التلفاز, عاجز عن مواجهة الحروف، بينما الثائرون يواجهون الرصاص الحي في ساحة دائري جامعة صنعاء بصدور عارية إلا من الأمل.
إنها مصر، الحب المتفرد الذي أزاح عن العروبة غبار الانكسار الذي علق بها مذ تولى أمرنا الأصنام.. حب بقامة جمال, وصوت شاديه، وقصائد الأبنودي, وابتسامة حمدي قنديل.. إنها مصر التي أجرت الدمعة على وجنة فرحي كشهقة فجر في حنجرة الحزن، وأيقظت قوميتي من سباتها ورياح جنوني من غفوتها بعد أن حضر هدير شبابها ليشق صدر الخوف ويغسل أرضها من الصدأ.
حين شاهدت شاباً ـ صوب الشرطي فوهة بندقيته إلى صدره ـ يردد "أنا هنا لأني أحبك" آمنت أن عبدالناصر ما زال حياً يرمق النيل من شرفة الصمود.
هي ثورة الشباب التي رفعت رأس مصر ليمنع سقوط السماء ويعيد أحلامنا إلى رشدها بعد أن عاث بها "الزعماء" فساداً ويأساً وبؤساً وضياعاً, ..هي من أعادتنا إلى مراهقتنا الثورية الأولى نبكي ونهتف ونحلم بقصة حبنا الأبدية : "العروبة التي لا مهر لها سو الحرية".
أنا.. بعد خمسين عاماً
أحاول تسجيل ما قد رأيت
رأيت شعوباً تظن بأن رجال المباحث
أمرٌ من الله.. مثل الصداع.. مثل الزكام
ومثل الجذام.. ومثل الجرب
رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
ولكنني.. ما رأيت العرب!!
بل العرب موجودون, وشبابهم ثائرون, ورجال المباحث لا يهابهم حتى الذباب.
تمنيتك حياً يا نزار حتى ترى مصر وقد عادت إلى حاضنتها العربية شامخة حرة أبية..
*ومضة*
القوات الأميركية تعيد انتشارها في محيط ليبيا..!! هل ما يحدث في الوطن العربي اليوم إذا ما حيدنا الثورتين التونسية والمصرية هو فعلاً حراك شعبي يخدم مصالح الشعوب المتهالكة ويعيد لها كرامتها المسلوبة من قبل قياداتها التي عتا عليها الزمن وهي مازالت تسير بكرسي الحكم على خارطة "جمل المعصرة".. أم أن هنالك قوى خارجية تبحث عن فوضى عارمة تستطيع من خلالها وخز الجسد العربي بحقنة تسهل إعادة صناعته بحسب رغبات أعدائه؟.. مجرد تساؤل ليس أكثر!!
Almonef86@yahoo.com
منيف الهلالي
حبيبتي يا مصر 2225