في السياسة ليس هناك موقف نهائي.. هكذا كان رد الرئيس الدوري للتكتل المعارض حول موقف أحزاب المشترك مؤخراً من الحوار "المفروم" بينها والحاكم..
يبدو أن غبار التغيير المتطاير من ساحات مدننا أعمى أبصار قيادة المعارضة وجعلها تفقد اتزانها قبل النظام، لقد بأن جلياً كيف أصبحت الحكومة مهزوزة تسابق رياح التغيير في مبارات غير متكافئة طالما الوقت لم يعد يسعفها لإجراء إصلاحات ورتق الاختلالات، متخبطة توزع وعوداً، بالإسراف دون جدوى كونها تتعامل مع واقع يكشر أمامها عن خيارات كلها صعبة إذ
لطالما اختلفت خيارات كل من زين العابدين ومبارك والقذافي إلا أن الصعوبة تلازم الخيارات جميعاً، لقد بات التغيير من الشارع طيفاً كل ألوانه مرة.. كما أن المعارضة هي الأخرى بدت أكثر تذبذباً عن ذي قبل، في ظل الاحتجاجات المطالبة بالتغيير.
ما جزم به متوكل المشترك الدكتور/ عبدالملك ـ بأن المعارضة تفتقد لموقف نهائي، يأتي في وقت يحتاج الوطن لقرار أكثر جدية، لموقف موحد الرؤى والتطلعات..
وقت يتطلب من المعارضة أن تتخلص من كل المصطلحات الفضفاضية التي ادمنت عليها وتحاول دائماً من خلالها الخروج بموقف يستوعب كل متناقضات أطرافها، ينبغي عليها انتشال نفسها من دوامة الارتباك المعهود في تخلخلها والذي شل حركتها في الساحة لسنين، عليها أن تثبت للشعب أنها صارت بديلاً أهلاً للسلطة أو عليها ألا تفكر التسلق على أكتاف المحتجين للوصول إلى الكرسي وهي ما زالت "رجل في السلطة وأخرى في الشارع" فهذا قد يؤدي إلى سلخها في بئس المصير اليوم أو غد القريب.
فعلاً وكما أكد المتوكل فليس هناك موقف نهائي للمشترك دائماً، كما ليس هناك ما يفسد الرأي سوى التردد، لذلك ورغم عمر الأزمات في بلادنا يصعب علينا أن نلتمس موقفاً واحداً محدداً للمعارضة إزاء ذلك إلى اليوم، كما هو الحال في تمرد صعدة وحراك الجنوب وغلاء الأسعار والفساد باستثناء موقف المعارضة وكتلها البرلمانية من قضايا ختان المرأة وزواج الصغيرات ونقاب القاضيات، فالمعارضة تبدو مع الشعب وضده في آن، مراراً تنشد مصلحة ذاتية تخدم أجنداتها لا الشعب، تحاول لملمت ذاتها المتبخر الوجود في موقف تحرص أن يرضي زخم اختلافاتها ورؤاها المتباينة وحين يرى الساسة في المعارضة من السهولة مراوغة الشارع والتخلي عن حزب كان يساهم في تثبيته في السلطة، فيما يصعب عليها التخلي عن قبيلة ما أو توجه أناني، فذلك دمار لا يقبله الشعب وترفض الجماهير قدومه من سياسة الأنا ودوافع المناطقية..
عاصفة التغيير هبت اليوم على الوطن العربي برمته وتصاعدت الاحتجاجات بموقف واحد ومطلب متوحد وهتافات متقاربة حد التطابق حتى أن تظاهرات الشباب في اليمن طغت على أصوات النشاز وبدأ موقف الشارع موحداً إلى حد ما، حين ثلاشت الدعوات الانفصالية والاجندات المخيفة .. ووحدها قيادة المشترك ما زالت ترفض الخروج من ضبابيتها المعتادة لا تملك موقفاً موحداً أو رؤى متوحدة وضبابية الساسة في هكذا وقت نمر فيه، تغتال وطن ما لم يلفظ الشارع كل الضبابيين وينظر للواقع بعين منصفة لا تفرق بين فساد سلطة وضبابية معارضة، وذلك ما سيتم فعلاً كون الشعوب كبرت ثقافتها والتغيير الذي يعصف اليوم بالمنطقة العربية وينذر بزوال كافة أنظمتها الحالية بعد عقود من سيطرتها على الحكم، سيلفظ الضبابيين بعد شهور من الثورة، ثورة التغيير في الوطن العربي طبعاً فقد أعلنها الشارع صراحة، وقف بصلابة لم نعهدها منذ عقود من الزمن، ضد الاستبداد والتسلط والفساد والمهزوزين وضد كل المتذبذبين.
المشترك دائماً كما عهدناه لا يرفض أي مبادرة للسلطة لكنه لا يفصح عن القبول بها، يراوغ الشعب المهروس بالأوضاع القائمة حينما يكون على موعد مع الحاكم ينشد مصلحة أحزابه من خلال التفاوض، ويدعو أنصاره للالتحام بالشارع ويذهب بقيادته ليرمي أكوام أجسادها وجهدها الذهني في صالة مغلقة للسلطة.
فإذا كان الوقت النهائي لا يوجد في سياسة المشترك فإن نهاية المعارضة غالباً في تذبذبها وترددها والوطن اليوم بحاجة ماسة إلى جرأة وموقف موحد ومعلن وإلا فإن تتطلع المعارضة لكرسي السلطة من خلال الشارع في هكذا ضبابية، يعد بكل المقاييس انقلاباً صريحاً على السلطة والشعب معاً وبطريقة غير شرعية.
عبد الحافظ الصمدي
غبار التغيير أعماهم.. 1857