رأيت فيما يرى النائم، أنها ادلهمت، وإذا بالتحرير في صنعاء يعج بملايين من المحتجين.. ورأيت مروحية سيدي الرئيس تطوف فوق فسيفساء ألوان العمامات، ولكن قض مضجعي، نهاية ما رأيت ولهوله لن أحكيه، غير أن بؤبؤاي ظلت عبارة تملؤهما.. اليمن ليست مصر وهي الحقيقة المرة.. لأن قرن أن لم يكن أكثر من الزمان يفرق بينهما.
فمصر: دولة منتجة للعلم والمعرفة، وترشد استهلاكها للمنتج العلمي والمعارفي، مما جعل الثورة الشبابية فيها أن تضع حدً للبطركة والحكم الأبوي وبذلك تسقط عصمة الوالي، ولعلها ستحدد العلاقة بين الحاكم والمحكومين، وستحطم رتابة العلاقة التقليدية بينهما، لاسيما في مرجعيته الدينية.
فشيوخ الأزهر وطلابه كانوا ضمن حشد الثائرين، وأثبتت هذه الثورة أن العلم حينما ينتج الوسيلة ينتج قيماً كونية.. فهمها كانت قدرات السلطان في تطويعها لإذلال شعبه، فإنها بالمقدار ذاته تسهم في تثوير شعبه، وتمثل وشائح التوحد، وكأن أعظم تجسيد لهذه الثورة وحدته الوطنية منزهة من الصغائر التي استغلها الحاكم في التآمر عليها، شفافية هذه الثورة، فلم يكن ثم صراع كواليسها وكان الهدف محدداً.. فلا منافع تجنى من ورائها ولم يكن من مطمح لرموزها سوى التغيير.
أما اليمن، فلا زال بلداً بابوياً، قبلي معقد العلاقات القائمة على تقاسم المنافع، سمته الفصام بين الدولة كمؤسسات ومنظومة حقوقية وسياسية، والحاكم المتعالي عليها، وهي وسيلة لديه ولا يذعن لها.
بلد لا ينتج العلم ولا المعرفة ويستهلكها بطريقة مشوهة لمقاصده وبذلك يبقى العرف وما ينتجه التخلف سائد وتبقى القيم الكونية مطمع شريحة لا تمتلك من القدرة ما يزحزح السلطة حتى عن أدنى مواقعها وهذا حال المعارضة التي تحافظ على شعرة معاوية مع السلطة، وتخشى سقوط النظام أكثر من النظام نفسه لأنه قد يفضي بها إلى المجهول الذي تخشاه ولذا فإن أعلى سقف لها المخاصمة.
والأهم من كل ذلك.. فالجيش وأجهزة الأمن لا تعتبر مؤسسات وطنية، ولا تلعب ولا يمكن لها أن تلعب دوراً محايداً.. وغير معنية بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي.. لذا فإن هناك نموذجان منتجان للعسكري في اليمن.. عسكري الدولة وهو قليل الاعتبار.. منوط به أن يكون تابع لعسكري السلطة صاحب الاعتبار والمهاب والذي لا يرحم عندما يتعلق الأمر بأمن واستقرار الحاكم.. وموارد الدولة من وجهة نظره فيداً يمكن نهبها.
صالح مكحل البحيري
شتان بين تحرير "القاهرة" وتحرير "صنعاء"! 1796