مدخل :
كان حلماً يراود خيالي أن ادخل عالم الصحافة والأدب من أوسع أبوابه ، ذلك الحلم الذي كانت تتمثل صورته في مخيلتي كعالم مثالي يستنبط وحيه من المبادئ والأخلاق والسمو والرفعة بكل معانيها.
عالم الأدب الذي لا يعرف من وجهة نظري إلا الأدب بكل معانيه الراقية ، عالم رسمت له أروع الصور كمثال حين يتسم بالمثالية والتميز ، ونقشت له في ثنايا القلب أجمل أمل, واجل احترام, لكن وبكل أسف أقول إن الواقع الذي صدمت به كان الصخرة التي ارتطمت عليها أحلامي بعد ذلك، لأني اكتشفت أني ربما أعطيته من التبجيل أكثر مما يستحق.
سقطت شروط الأدب:
الأدب عبارة عن معرفة ما يحترز به من جميع أنواع الأخطاء وهو قسمان : طبيعي وكسبي.
فالطبيعي ما فطر عليه الإنسان من الأخلاق الحسنة والصفات المحمودة كالكرم والحلم، والكسبي ما اكتسبه بالدرس والحفظ والنظر، أما مفهومه الحالي فهو أن تكتب قصة, أن تنظم قصيدة, أن تحفظ شعرا, أن تكتب نثرا وستكون أديبا من الدرجة الأولى.
والمؤلم أن الفكر والأدب في بلاد العرب لا يؤثر ولا يغير ولا يصحح ، والأنكىء من ذلك انه لا يؤثر في الأدباء والمفكرين أنفسهم، فالأدباء في واد والأخلاق والمبادئ في واد أخر, والكثير يعبر تعبيراً صادقاً عما يفتقده, وتعبيراتهم صادقة ولكنها تعبيرات عن الافتقاد والشوق لكل المعاني السامية والمبادئ التي يكتبون عنها, وإبداعاتهم محاولة للهروب من واقعهم المؤلم ومحاولة للتنصل منه.
وكم كان صادقاً برناردشو في رده على احد الأدباء الذي سأله مستفزاً: لماذا ياشو كتاباتك كلها تدور حول المال والثراء؟
فسأله شو: وعماذا تكتب أنت؟
قال : عن المبادئ والقيم والأخلاق.
فرد شو :كل منا يعبر عما يفتقده.
وليت المثقفين في بلاد العرب فطنوا إلى ما فطنت له أم المحدث المشهور سفيان الثوري عندما قالت له:
أي بني خذ هذه عشرة دراهم وتعلم بها عشرة أحاديث فإذا وجدتها تغير في مشيتك وكلامك وتعاملك مع الناس فاقبل عليه وأنا أعينك بمغزلي هذا وإلا فاتركه، فاني أخشى أن يكون وبالاً عليك يوم القيامة، لقد فطنت الإعرابية إلى أن الثقافة ليست حشداً للمعلومات, بل هي تفاعل بين الإنسان والعقيدة والفكر وأنها ينبغي أن تؤثر في الجلسة والمشية والكلام, يعني السلوك، كل هذا خفي على كثير من مثقفينا وفطنت له الإعرابية.
هناك فرق:
المفكرون والأدباء والمثقفون هم عماد الأمم ، بهم تنتظم الحياة وتستقيم الأمور ويصلح الله بهم السلطان ويعمر البلدان، هم أداة التأثير والإصلاح والتغيير ، ويذكر لنا التاريخ عدداً من المفكرين والأدباء الذين قامت على أفكارهم الحضارات وغيرت وجه الحياة وعاشت أفكارهم قروناً عده.
لكن العجيب والغريب أن المفكرين في بلاد العرب رغم أعدادهم الهائلة التي تفوق عدد الهزائم العربية والخونة من ارض العراق الأبية إلا أنهم لم يقيموا أي حضارات بل لم يحافظوا على حضاراتنا القديمة
ولم يغيروا نظام حكم أو حكومات ولم يرفعوا عن كاهل الشعوب أي ظلم أو ويلات وما جاء لنا منهم سوى الخزي والعار وكثرة القيل والقال ولكن لماذا لا يؤثر هذا الكم الهائل من الأفكار والأدبيات في حياتنا؟؟
في حين كان بيت شعر واحد يقلب الحالة سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية رأساً على عقب اعتقد أن ذلك يرجع لعدة أسباب منها:
- إن أفكارهم وأدبياتهم لا تحمل اهدافاً ولا تحوي افكاراً
- أنهم يقولون مالا يفعلون-
- كيف لأدب وثقافة "سوبر ستار" "ستار أكاديمي" أن تخرج محتلاً أو تغير حكماً أو ترتقي بالأخلاق والنفوس أو تحافظ على حضارة فضلاً عن بنائها.
تأملات:
يقول الدكتور عبد العزيز المقالح: احياناً تجلس مع إنسان متعلم ، إنسان لديه قيمة في مجال حيوي من مجالات الحياة, فتحس أن هذا الإنسان مظلوم من الداخل وتحس أن له مجالاً من الظلمة ينفثه حوله.
ثم تجلس مع إنسان فطري لم يتعلم ولا يقرأ ولا يكتب فتحس أن داخله نور خاص يشعه على الحياة حوله
ويتساءل إذا كانت المعرفة ليست كافية وحدها لخلق هذا النور الداخلي، فما الذي يخلقه؟
الجهل العلمي:
أما الدكتور مصطفى محمود فيقول: العلم وحده لا يصون صاحبه ، فقد يكون عندك علم اينشتاين ولا ينفعك بل تكون أدنى الناس اخلاقاً وأرذلهم معاشرة.. فنحن نعلم أضرار التدخين وندخن ونرى القاضي يرتشي.. ورجل الأمن يعتدي على الأمن ويقول : إن العلم ليس هو وحده مفتاح الشخصية , وما اختلفت منازل الناس الخلقية بسب تفاوتهم في العلم بل بسبب تفاوتهم في شيء أخر هو الهمة والعزم , لابد أن يثمر العلم اخلاقاً وحكمة".
ومن صور الجهل العلمي حال الكثير من مثقفينا وأدبائنا ومتعلمينا الذين تفوح منهم روائح الكذب والنفاق وسوء الأخلاق حتى تكاد تزكم أنوفنا، فشعراء بلا مشاعر، وأدباء بلا أدب ، ومتعلمون جهلة.
فليتنا نعمل بالمثل الصيني القائل: " لا تقل شيئاً بل افعل" وليتنا قبل ذلك نستشعر معنى الآية الكريمة.
" كبر مقتاً أن تقولوا مالا تفعلون".
من يقدم لنا الفكرة:
يتساءل الأستاذ سيف المري قائلاً: من يستطيع أن يقدم لنا الفكرة المنيرة؟
ثم هل الأفكار البناءة حكراً على العباقرة والمفكرين؟
أليس من الممكن أن يقدم لنا الفكرة العظيمة شخص عادي جداً تلمع في ذهنه ويبادر بطرحها؟
فهل إذا جاءت الفكرة العبقرية من شخص عادي نرفضها ولا نقبل حتى مجرد الاستماع لها لان صاحبها لا يحمل مؤهلات علمية.
الأستاذ مشهور:
من المؤلم في صحافتنا أن قرار النشر يعتمد على اسم الكاتب وليس على جودة المقال.
أتذكر أني كنت أراسل العديد من الصحف بشكل دائم ومكثف ولم أكن أتلقى أي تشجيع أو اهتمام, كل ذلك لان مقالاتي إن نشرت تنشر على صفحات القراء رغم أنها مواضيع هامة وشيقة " وبيني وبينكم نصف المواضيع التي تنشر لي الآن هي نفس المواضيع التي سبق لي نشرها على صفحات القراء ولم تُعر أدنى اهتمام"، وبعد أن كانت مقالاتي تنتظر شهوراً قد تساوي احياناً شهور الحمل حتى ترى النور على صفحات الصحف, وبعد أن أصبح لي عمود ثابت ومساحة لابأس بها في عدد من الصحف, أصبحت مقالاتي تجد طريقها للنشر في أسرع وقت ممكن رغم ركاكة المادة احياناً "وفي اعتقاد الأستاذ سيف المري أن أصحاب الأفكار الخلاقة في عالمنا العربي كثر ولكنهم لا يجدون من يرعاهم ويتبنى أفكارهم ، وعلة الشرق تكمن في عدم إعطاء الفرصة لمستحقيها بغض النظر عن مستوى تحصيلهم الدراسي ومستواهم الاجتماعي أو الاقتصادي".
متى:
فمتى سنتخلص من عقدة "زعبور" المشهور ونلتفت إلى كل مبدع مغمور؟
مع تحياتي أنا أحلام القبيلي
alkabily@hotmail.com
أحلام القبيلي
سخافة الفكر والأدب في بلاد العرب 4764