قدر لي أن أحضر مؤتمراً صحفيا عقدة الشيخ/ عبد المجيد الزنداني- الذي يترأس هيئة علماء اليمن وهي هيئة شكلها عدد من علماء اليمن الثقاة لعل أبرزهم إلى جانب الشيخ القاضي/ محمد بن إسماعيل العمراني والقاضي/ يحيى الجرافي والشيخ/ أحمد المعلم والقاضي/ يحيى الشامي والشيخ/ حمود هاشم الذارحي والشيخ/ محمد بن موسى البيضاني وغيرهم من العلماء الذين يحضون بقبول شعبي وجماهيري واسع, ولقد عـُقد المؤتمر الصحفي في منزل الشيخ/ الزنداني صباح الخميس 17 فبراير الجاري, كان الحضور الإعلامي كبير فمراسلو وكالات إعلامية عالمية كبرى مثل "الجزيرة والعربية وريترز والواشنطن بوست" فضلا عن عدد من الصحف المحلية واسعة الانتشار مثل صحيفة "أخبار اليوم" وغيرها من الوكالات الإخبارية المحلية قد حضرت لتغطية الحدث.
الجميع كان يترقب ما يريد الشيخ الزنداني قوله.. فاليمن اليوم تمر بمرحلة عصيبة ورياح الثورة التونسية لم تتوقف عند مصر فحسب وإنما وصلت إلى عواصم ومدن عربية منها العاصمة اليمنية صنعاء وعدد من المدن اليمنية, وكان السؤال الذي يجول في خاطر الكثير من الحاضرين هو هل سيدعوا الشيخ الزنداني باسم هيئة علماء اليمن إلى رحيل النظام والخروج إلى الشارع للاصطدام بقوى الأمن وأعوان النظام على غرر ما حدث في تونس ومصر أم سيدعو الشعب اليمني إلى اتقاء الفتنة والتوبة من الذنوب والصبر على الظلم إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا؟!
أخيراً تحدث الشيخ وبيّن وجهة نظر هيئة العلماء, وكان ما استخلصته من حديثه دعوته إلى استخلاص العبر من ثورتي تونس ومصر وقال: بعد أن حدث ما حدث في كل من تونس ومصر انتهى أمر الناس إلى إعادة الأمر إلى أصحابة أي الشعب وذلك بتشكيل حكومات انتقالية تعمل على الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة, وتساءل الشيخ هل نستطيع في اليمن القيام بذلك بدون اللجوء إلى ما لجأ إليه شعبا تونس ومصر؟!, وقال أيضا إنه لا بد أن يدرك الجميع أن الزمن هو زمن الشعوب وأن التغيير قادم فإما أن نختار الطريق الآمن وإما أن نختار الطريق الخطر.
وبيّن الشيخ بأن الطريق الآمن هو عقد انتخابات حرة ونزيهة يتفق الجميع على الضمانات والإجراءات الكفيلة بتحقيقها ومن تلك الضمانات أن تشكل حكومة وحدة وطنية تتراضى على تشكليها مختلف القوى السياسية ولا يحتكر الحزب الحاكم حقائبها السيادية بل إنه دعا (وقال هذا رأيه الشخصي) إلى أن يكون رئيس الوزراء ووزير الداخلية من المعارضة بينما يحتفظ الحزب الحاكم بوزارة الدفاع وتكون وزارة المالية بيد وزير محايد يتفق الجميع على تسميته, وأكد الشيخ على أن يتجه الجميع إلى حوار جاد وفوري وأن تشكل الحكومة المعنية في غضون أسبوع أو أثنين على الأكثر وتكون مهمتها الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة خلال ستة أشهر تعكس رأي الشعب اليمني في من يريد أن يتولى أمره.
أما الطريق الخطر فهو يتمثل في أن يصر كل طرف من الأطراف على موقفه وتتحول ساحات اليمن إلى ساحات للمواجهات وفي نهاية المطاف لا يستطيع أن يقف أحد أمام إرادة الشعب لنكتشف عندها الإرادة الحقيقة للشعب بعد أن تسيل الدماء وتزهق الأرواح وسنلجأ في نهاية الأمر إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لتعمل على الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة, وأشار الشيخ إلى تخوفه من أن الشعب اليمني المسلح والمنقسم على نفسه في الشمال (التمرد الحوثي, الثارات القبلية) وفي الجنوب (الحراك الانفصالي), سيواجه عوائق كبيرة أمام تحقيق إرادته مما قد يطيل أمد الخروج من نفق الصراع من أجل إمضاء الإرادة الشعبية فذلك المدى أمر يصعب تحديده أو حتى التكهن به.
انتهى الشيخ من طرح رؤية هيئة العلماء وقال: إن الهيئة ستصدر بياناً تفصيليا الاثنين القادم بذلك ريثما تـُستكمل التوقيعات على البيان من مختلف أعضاء هيئة العلماء الذين ينتشرون في مختلف أرجاء اليمن, ثم فـُتح الباب لأسئلة الإعلاميين, ويبدو لي أن معظم الإعلاميين لم يرق لهم الأمر فلقد إنهالت أسئلتهم على الشيخ التي لا تخلو من نبرة الانتقاد وكانت الأسئلة تدور حول محور رئيسي هو أن الشارع قد تجاوز مبادرات النخب وأن الأمر محتدم فهل تقف هيئة العلماء وعلى رأسها الشيخ مع الشارع المطالب برحيل النظام أم مع النظام في وجه الشارع اليمني؟! كرر الشيخ وجهة نظره بأن لا أحد يستطيع الوقوف أمام إرادة الشعب ولكن مهمة العلماء تكمن في أن يرشدوا الناس إلى الطريق الآمن, مؤكدا في الوقت ذاته على أن المظاهرات السلمية ضد الظلم حق مشروع بل هي ترتقي إلى مرتبة الواجب الشرعي.
ما لمسته أن بعض الإعلاميين لم يدركوا أن الرسالة موجهة للنظام أكثر مما هي موجهة للشعب فالشيخ قد بين أنه يحيي الشعبين التونسي والمصري على ثورتيهما ولقد حيا الإعلاميين على مواقفهم وبالذات قناة الجزيرة على دورها الرائد في نقل الأحداث واعتبر نقل الحقيقة للناس وتعرض الإعلاميين للخطر في سبيل ذلك بمثابة الجهاد في سبيل الله مستشهدا بالحديث الشريف القائل إن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
ومع كل هذه الإشارات ظل البعض يدور حول نفس المحور في أسئلته إلى نهاية اللقاء, الأمر الذي دفعني بعد المؤتمر الصحفي إلى سؤال مراسل الوشنطن بوست عن انطباعه المبدئي عن المؤتمر الصحفي فقال لي ما طرحة الشيخ حلولاً عملية وممكنه لكني أشك أن تستجيب لها السلطة والشارع, وسألني بدوره هل تعتقد أن ما صرح به الشيخ يشكل ضغوطاً قوية على السلطة؟ فأجبته قائلا طبعا هذا صحيح, وبهذا أدركت أن هناك من فهم أن الكرة في ملعب النظام فهل يستجيب؟! ويعمل على تقديم ضمانات جادة وحقيقية لحل الأزمة اليمنية أم أن النظام له رهاناته الخاصة؟!.
* قسم العلوم السياسية جامعة صنعاء.
د/ أحمد عبد الواحد الزنداني
هل تستمع السلطة لصوت العلماء! 3103