من يقود التغيير وثورات التغيير في الشعوب هم الشباب اليوم في مصر وقبلهم كانوا الشباب في تونس الذين غيروا مجرى التاريخ وصنعوه من جديد لحظة خروجهم عن الصمت وتجاوزهم مرحلة الخوف والاستكانة، عندما أيقنوا أن الأحوال لا يمكن أن تتغير إلا بخروجهم ليس لأن بلدانهم كانت خالية من المعارضة والأحزاب، ولكن لأنهم وجدوا أن المعارضة شاركت الأنظمة مرحلة الشيخوخة والعجز وراوحت مكانها وإن تحركت فإن حركتها لا تتعدى حركة الجمل في إحدى معاصر زيت السمسم، عندما ينطلق من نقطة ويدور عائداّ إليها موهوماً أنه يقطع الفيافي والقفار غير مدرك أين يسير أو ماذا يصنع.
 وهكذا فإن دوران المعارضة في الأوطان العربية لم تقدم للشعوب حتى ما يساوي إنتاج الجمل لأنها في الغالب لا تبحث عن مصلحة الشعوب بقدر ما تبحث عن مصالح حزبية أو مناطقية أو شخصية فقط.. وإذا كان الإنسان بطبعه في حياته السياسية مثلنا مثل كل الناس في كل وطن وكل مكان ونتمنى أن تتغير أوضاعنا كلها ولكن من السيء إلى الأفضل لا أن تتغير من السيء إلى الأسوأ.. والمشكلة لدينا تكمن في أن معظم الذين يتزعمون المعارضة ويدعون للتغير في اليمن السعيد هم واضعو قواعد الفساد ومؤسسو سيئات التمرد وكاسرو حاجز احترام المؤسسات.. فهم لا يعترفون بالقانون ليس لأنه غائب أو غير مفعل، بل لأنهم لا يؤمنون به ولا يحترمونه.. ولا يعارضون النظام لأنه لا يطبق النظام أو لا يعمل على بسط سيادة القانون.. وإنما يعارضون النظام لأنهم يسعون ليكونوا البديل الأسوأ للنظام والبديل الأتعس والأسوأ للاستبداد وهذا ما يتناقض مع طموحات الجماهير الذين لم يفقدوا الأمل في أن تتغير أحوالهم يوماً ما.
فإذا كنا لا نريد أن تحكمنا شخصية تنتمي للمؤسسة العسكرية مرة فإننا لا نريد أن تحكمنا شخصية تعلن ولاءها للقبيلة مليون مرة.. وإذا كنا لا نريد أن يحكمنا فاسد متسامح مرة فإننا لا نريد أن يحكمنا فاسد بعقلية تحمل حقد الثأر مليون مرة.. وإذا كنا لا نريد أن نحكم بالتوارث المستحدثة مرة فإننا لا نريد أن يحكمنا من يعتبر التوارث جزءاً منحياته وعاداته وأشبه بعقيدته مليون مرة.
من يقودون التغيير اليوم هم الشباب الأكثر وعياً والأكثر وطنية والأكثر حرصاً على أوطانهم.. ومن يقودون التغيير لا يبحثون عن كراسي الحكم ولا يطالبون بها، وإنما يطالبون بتغيير الفساد ويتركون البحث عن الذي سيحكم الشعوب التي ستقرر من تختار ومن تريد بعد التغيير.
نحن نريد التغيير بعقلية عمرو موسى - وأحمد زويل وأمثالهم ولا نريد التغيير بعقلية "محمد فرح عيديد وعلي مهدي محمد" الذي جاء بهم التغيير في الصومال وأضاع الدولة وقضى على هيكلية النظام والمؤسسات على الأرض الصومالية إلى الأبد.
نريد التغيير الذي يأتي عن طريق حملة الأقلام ورجال الفكر والأدب والوطنيين الأحرار، ولا نريد التغيير عن طريق مراكز الفوضى التي تهدد بشحن العاصمة صنعاء برعاع القبائل الذين لا يعرفون من الولاء إلا الولاء للشيخ ودونه خرط القتاد.. أما أغرب ما رأيته على الجزيرة يوم الجمعة.. فأهتماها بخطبة الجمعة التي تقام في ميدان التحرير.. حيث ظلت تنقل الخطبة كلها والدعاء بعدها ولكن بمجرد أن دعا الخطيب على اليهود قطعت المذيعة بصوتها النشاز الخطبة ولا أدري خوفاً على اليهود من الدعوة وحرصاً عليهم.. أم حرصاً على جرح مشاعر اليهود من قبل الجزيرة ولو بنقل خطبة في ميدان التحرير لا للجزيرة فيها ناقة ولا جمل، عجائب يا زمن ومؤسسات إعلام الرأي والرأي الآخر!!.