في ظل جماهير شعب يفتقر لوعي سياسي ناضج أصبح الشارع اليمني عبارة عن أصنام شطرنجية تحركها القوى السياسية والقبلية والجهوية وفقاً لمصالحها والنتيجة دائماً كعادتها فوز أحد الطرفين المتنافسين بالمصالح وكراسي
المنصب عدا كرسي الرئاسة حيث التسوية السياسية غالباً تحول دون مباراة جدية في تصفيات كرسي الرئيس.
تنقلات في لعبة قذرة تديرها الأهواء والرغبات والشارع دائماً مأكول والشعب وحدة الضحية يهرسه غلاء الأسعار وهو تارة بجوار المشترك "الله أكبر ولله الحمد" وأخرى مع الحاكم "ما لنا إلا علي"..
لقد أصبح الشارع اليمني مخرجاً من أزقة محرجة ويبرر في أحيان كثيرة التراجع عما كان معلن عنه من قبل قادة الحاكم أو المعارضة، إذا ما تورط أحدهم في ساعة سليمانية شعر فيها بالوطنية متأثراً بمفعول القات ليس إلا،
بالإعلان عن موقف يعلم يقيناً أن الشعب المتسامح الأبله سيمنحه حق التراجع.
الشارع اليمني الذي عجز أن يعيد سعر العلبة الزبادي وقرص الرغيف إلى قبل ما كانت عليه الأسعار قبل شهر رمضان المبارك ـ أي قبل ارتفاع الدولار أمام الريال اليمني حيث وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى
"255" ريال ـ بل وفشل الشارع فشلاً ذريعاً في أن "يركي" مع الحكومة التي هددت التجار ووعظت فحملتهم المسؤولية تاركة لهم الحبل على الغارب، هاهو اليوم يحقق للمعارضة كل مطالبها طفرة واحدة بمبادرة
واحدة في خطاب واحد لرئيس الجمهورية أمام مجلسي الشعب والشورى، متناسياً ـ الشعب ـ أن المعارضة ربأت بنفسها عن الاحتجاجات والحكومة تجلده جرعة بعد أخرى كون النزول إلى الشارع كان بمفهوم المشترك حينها فعل
صبياني من العيب على قادة المعارضة الإقدام عليه، فهم ينظرون لأنفسهم بعدسة الأنا ومن المعيب أن يضاهوا أولاد الشوارع كونهم أكبر من فعل كهذا.
الشارع الذي حقق للحزب الحاكم إبان الانتخابات الرئاسية الماضية ـ مطالبة في تراجع الرئيس عن قراره بعدم الترشح.. اليوم خرج ضد إجراءات المؤتمر الانفرادية وضد التمديد والتوريث مع أن المسألة قد حسمها الدستور،
ويهتف: "الله أكبر ولله الحمد" مع أن الكل يعرف ذلك وجدواه، غير أن مالا يعرفه قادة المعارضة والمؤتمر هو "أن الغلاء صار أكبر من قدرة المواطن والبطالة والفقر أكبر ، ولهم المصالح وخيرات البلد" على حساب
الشباب.
ولعل الشارع العربي برمته أصابته أنفلونزا التقليد الأعمى كما هو الحال في توجهاته وثقافته وتعاطيه مع الأحداث ومستجداتها ومع قضايا أمته مثلما هو الحال مع الموضة وبنطلون "طيحني"، فالشعب المصري يريد أن يحقق
التجربة التونسية في نظام الحكم ، بحذافيرها ولو تحققت مطالبه لن يرضى بغير ذلك بديل.. فإذا كان هذا الحال في مصر وهو شعب واعي إلى حد ما ، فما بالنا بشعب اليمن الذي لا يفهم ـ اللهم لا شماتة ـ قرقرة معدته ماذا
تعني ، وشبابه مشردون كالقرود يتخرجون من الجامعة ليحزموا عدة "النجارة" أو "المجرفة والكريك" وإن كان بعضهم لا علم لهم بهكذا مهنة، فقد أجبرهم الوضع على تطفل المهن وعلمهم كيف يشُدو الرحيل إلى دول
الجوار، مجهولين خارج الحدود يسمونهم الجيران سوء العذاب ويعاملونهم باحتقار كشحاتين.
الشعوب أجمعها عرفت طريقها وأشعلت شمعة التغيير في دروب الإصلاحات وليس بالضرورة تغيير الرئيس ورحيل نظامه إذا ما لبى الأخير مطالب شعبه ووضعه الاقتصادي.. الشعوب دخلت طرفاً قوياً في المعادلة السياسية
وبشكل مباشر ونحن مازالت قادة المعارضة والحاكم على حد سواء يقودون مصيرنا كالنعاج.
كان على الشارع اليمني أن يضغط حتى يحقق كل مطالبه ويتوظف ولو نسبة 60% من الخريجين كمرحلة أولى على الأقل، وإذا ما تسارعت وتيرة الإصلاحات فليحكم من يحكم والرحيل أقرب للمعارضة من أن تستخدم
الشارع كورقة تهدد بها شرعية الحاكم كعادتها إذا لم يلب الأخير مطالبها.
كان بمقدور الشارع اليمني أن يفرض ضغوطاً من خلالها تصير كل حقوقه في متناوله ولو وصل في ضغوطه إلى حد ترحل فيه السلطة ووجهها الآخر المعارض ، فحشود كل من الحاكم والمشترك ليست بها جدية والجماهير
مصابة بالتبعية للطرفين وإذا استمر الحال على ما هو عليه فعلى الشارع اليمني أن يرحل؛ فلعل المبادرة بالرحيل تحسن صورته أمام نظرائه في بلدان أخر ، والرحيل مصطلح أخف من التشرد اليومي بفعل البطالة..
ولعل هروب الشارع من حقيقة الفشل الذي مني به هو التشرد بعينه، وهو الرحيل المطلوب إثباته.
عبد الحافظ الصمدي
الرحيل المطلوب إثباته..! 2209