ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات استحقت تسمية الثورة نتيجة للنقلة النوعية والسرعة التي أحدثتها في هذا المجال وما كان أحد يظن أنها ستتجاوز مجالها في التثوير وستظل ثورة لا تتعدى مجال المعرفة ونقل المعلومة غير أن ما أحدثه الشباب في تونس ومصر أثبت أنها ثورة الثورات، فهي ثورة المعلومة وهي ثورة الفكر وثورة الصمود والتغيير.
ولم يخطر ببال أحد أن شباب الفيسبوك ومرتادي مقاهي الانترنت يمكن أن يمنعوا التاريخ ويعيدوا تثوير الثورات التي تقدمت وأكل عليها الدهر وشرب عندما تحول من يدعون زعامتها والمحافظون عليها إلى رمز يمثلون أسوء صور الديكتاتورية في التاريخ القديم والحديث.
هؤلاء الشباب الذين قدموا صورة للثورة غير الصور التي عرفها العالم عن الثورات.. ثورة ترفع شعار التغيير دون إراقة الدماء أو نشر الخوف والاغتيالات وحرب العصابات ولا تفجر المباني والمنشآت، قدموا صورة للثورة هي أرقى ما عرفته الإنسانية من صور لأنها ثورة الفكر والعقل.. يحكمها النضج الواعي لا المستبد ا لطاغي.. هي ثورة شاملة رافضة لأساليب الحكم المستبدة وغير قابلة للتحايل والانحراف لأنها ليست مدعومة من الخارج ولا تخدم مآرب شخصية أو تمجد أشخاص.. ولهذا يرفض أصحابها الأساليب الكلاسيكية للحوار السياسي بين المعارضات المهترئة في هذه الأوطان وأنظمة الحكم الأكثر إهتراء وكل واحدة لا تقل بؤساً عن الأخرى ولا يختلف متزعمو هذه المعارضات عمن يعارضونهم أن لم يكونوا أسوء إذا وصلوا للسلطة يوماً ما.
كانوا على حق الشباب في ميدان التحرير وهم يرفضون كل من تكلم باسمهم، فهذه ثورتهم التي ولدت من رحم المعاناة ولا يمكن أن يقطف شبابها أحد غيرهم أو يجني نتائج ما زرعوا وقدموا.. ولهاذ رفضوا اليسار لأنهم ليسوا يساريين ورفضوا الليبرالية لأنهم ليسوا ليبراليين ورفضوا الأحزاب لأنهم لا يفقهون الحزبية ولا يؤمنوا بها.
هؤلاء هم الشباب الذين ينتظرون ملحمة عجيبة ترى عظمتها في صمود الأكف الفارغة والصدور العارية التي واجهوا بها رصاص الاستبداد وقنابل الطغيان وأدخنة الكيماويات المسيلة للدموع والباعثة على الاحتقان.. يسيطرون ملحمتهم العجيبة في أطهر نقاء تلحظ ذلك وأنت ترى الظهور تنحني راكعة وساجدة لبارئها جاعلة أرض الميدان تشبه ساحات الحرم، تلك هي عظمة هؤلاء الشباب وهذه هي ثورتهم التي يقدمونها بكل طهر وسمو، فهل تعي الأنظمة قدسية المطالب التي لا تريد إلا القضاء على الفساد والمفسدين ولا تعيش إلا للوطن وتهتف للوطن ولا شيء سوى الوطن وقبل ذلك كله تطلب رضى الله.. يا لعظمة المطالب، ويا لخيبة من يقفون حجر عثرة أمام تحقيقها.. وللحديث بقية.