كثير من الأمنيات والأحلام بل والانجازات أيضاً تبدأ بإعصار من الطاقة العاتية وتنتهي بأكوام من الخسائر المعنوية غالباً والمادية كأثر واضح لخطة قاصرة أو عدم توازن بين قدرة الجسد وإمكانيات العقل.. فمن الجيد أن يكون
لدى الإنسان قدرة على تحديد مستوى طاقته الفكرية والبدينة وحدود عطائه الروحي والمعنوي حتى يستطيع الوقوف على الطريق الصحيح وتقديم ما يميز وجوده بين بني البشر أصبع السيجار الذي يبدأ أنيقاً ورشيقاً بين سبابة
ووسطى عابثتين يعود رماداً مبعثراً ويفقد قوامه وأناقته، فقط لأنه لا بأس أن تسقط الأبخرة وتنام المداخن إن وقفت الريح شامخة ولم تعد تسقط أوراق الشجر.
يجب أن نتذكر دائماً أن التألق يختلف تماماً عن السطوع المؤقت وأن الديمومة لا تشبه التواجد المشروط ولهذا يتوقف النجاح على إعطاء النسبة الثابتة لكل خطوة بالاعتماد على حسن الظن والبراعة في ضبط عقارب الزمن
لتسريح الفشل والإمساك على النجاح.
ومن الأمور التي يجب أن نجعلها في رأس القائمة المثالية للنجاح المستمر ذو الأهداف السامية..
يستهين البعض بحضور النية ويغفل الكثيرون أهمية عقدها وقوفاً عند حد الأعمال بالنيات وهذا بدوره يخفض من مستوى الإخلاص في العلم والإحسان إلى مخرجاته ولهذا كثير من أعمال الشر تأتي يوم القيامة به أعمالنا باستمرار
لأن الجميع في النهاية إلى مصير واحد ولا يوحد بين البشر من يملك حصانة أو إعفاءً من يوم الحساب.
ولهذا أقول: إن توفر القواعد المعنوية في أي عمل لا يقل عن أهمية توفير القواعد المادية والفكرية لإنجاز ذلك العمل وضمان نجاحه.. وعلينا أن نبتعد عن موجة الأعاصير العاتية التي قد يسببها فضول الآخرين أو الحيرة
النابعة من قلة الثقة بالنفس أو المجموعة أو المجتمع، لأن الزوابع قد لا تقتلع جذور أفكارنا وتهدم ما بنيناه جاهدين بأيدينا بل إنها يمكن أن تلقح عقولنا وتملأ فراغ محيطنا أثناء عبورها بما لا يمكن أن تداويه عقاقير الدنيا كلها كاليأس
والإحباط والشك والانطواء ومحاولة التخلص من تداعيات الفشل بطرق سلبية.. وهذا بأكمله ناتج عن عدم القدرة على الإمساك بزمام النفس وتقيد اندفاعها للإنجاز وأيضاً انحسار رغبة التميز.
فالكل يحب أن يظهر لكن ليس الجميع من يبقى ساطعاً حتى يفني لأن ذلك فناً من الفنون الإنسانية الذي يصهر الإدارة ويذوب الصعوبات ويبذر العزيمة ليحصد وجوده المتوهج.. فكروا ملياً قبل أن تبدأوا ببناء أفكاركم صغيرة
كانت أم كبيرة واحصلوا على ترمومتر جيد لقياس حرارة الحماس والحمى المتوقدة من القدرة على الإبداع واحذروا ممن يحاول أن ينضح في وجوهكم ماء السخرية أو يلقي في طريقكم قشور الفشل لأن السقوط يحتاج إلى قوة
كبيرة تساعدكم على النهوض من جديد والمشكلة أن لا أحد يستطيع المساعدة إلا أنتم.
فالإنسان في النهاية مسؤول عن ما يقول ويفعل ومسؤول أيضاً عن إبقاء نفسه في سلام.. وهذه قاعدة شرعية إذ أننا متفقون تماماً على أن إزهق الروح كفر ولهذا سيكون من حسن إيمان المرء قيادة النفس وحفظها كأمانة حتى
تعود إلى صاحبها بسلام كما سكنت هذا الجسد بسلام من قبل.
إذاً قبل أن نشعل شموع عقولنا يجب أن نعرف هل حل الظلام أم لا؟! وقبل أن نقف بشموخ أمام الآخرين لاستعراض مشاريعنا وإستراتيجياتنا لا بد أن ندرك هل يستحق الأمر كل هذا العناء أم هذا الآخر يغطُّ في نومٍ
عميق؟!!... علينا إدراك ذلك حتى لا يكون إنجازنا عقيماً.
ألطاف الأهدل
قبل أن تشعل السيجار 2437