أثبت النظام المصري حتى الآن كفاءة وقدرة على احتواء الأزمات وكذلك القدرة على التكيف مع الأوضاع المأزومة.. وهناك من يسأل داخل مراكز إسرائيلية هامة: هل هناك تهديد حقيقي بتغير النظام في مصر؟ وماذا
أعددنا لمواجهة هذا التغير؟.. لا يمكنني بصفتي الشخصية أو العامة أن أتحدث عن ذلك بتوسيع وإفاضة واستطراد، لكنني أستطيع القول: إن هناك تهديداً ناجماً عن تشابك وتعقيد المشاكل والأزمات الداخلية الاجتماعية
والاقتصادية وحتى السياسية لأن الحزب الذي يرأسه "حسني مبارك" يهيمن على الحياة السياسية ولا يسمح بمشاركة أوسع للقوى الأخرى التي تجري أبعادها وتهميشها من خلال سلسلة من الوسائل بينها إحداث الانقسامات في
صفوفها كما حدث لحزب الوفد وأحزاب أخرى” (آفي ديختير – وزير الأمن الصهيوني الأسبق )2008م
الحقيقة أن ما سأورده في هذا الموضوع ليس جديداً، لكنني على ثقة بان الكثير من الناس في الوطن العربي لم يطلع عليه من قبل والموضوع أساساً هو من محاضرة ألقاها وزير الأمن الصهيوني الأسبق في المعهد القومي في العام
2008م وحدد فيها وبصريح العبارة عدة سيناريوهات محتملة للمنطقة العربية ترصدها إسرائيل بدءاً من السودان ومروراً بالعراق ولبنان وغزة والقطاع ووصولاً إلى مصر المحطة الأبرز والأهم في نظر الوزير الاسرائيلي
الأسبق وبحسب ما جاء في محاضرته أنهم في إسرائيل وضعوا ثلاثة احتمالات أو سيناريوهات لمصر وبالتعاون مع واشنطن لمواجهة أي طارئ قد يغير مجرى الأمور، (آفي ديختر )يقول “الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في
مصر تصنف على أنها من الأزمات غير القابلة للحل، كل الإصلاحات الاقتصادية التي طبقت في مصر في عهد مبارك لم تسهم على الإطلاق في حل هذه الأزمات، حتى المساعدات الأميركية السنوية، والتي تزيد عن 2.5
مليار دولار سنوياً، لم تعالج الخلل في الهيكل الاقتصادي والاجتماعي المصري، هناك خلل بنيوي في الاقتصاد المصري يصعب معالجته بمساعدات هي مجرد مسكنات تخفف من الآلام بشكل مؤقت ثم تعود الأزمة لتستفحل
وتتفاقم.
وعلى هذا الأساس عادت الأوضاع في مصر إلى ما كانت علية من قبل انقلاب 1952 الذي قام به الضباط، عادت إلى سيطرة رأس المال ورجال الأعمال على الحياة السياسية والاقتصادية، مثل هذا التحول يكون مصحوباً
باستقطاب حاد بين الشرائح الاجتماعية بين أقلية لا تتجاوز نسبتها 10% وبين أغلبية من الطبقة الدنيا والسواد الأعظم من المصريين اللذين يعيشون تحت خط الفقر”.
ووصف "آفي ديختر" انسحاب مصر من اتفاقية السلام وعودتها إلى خط المواجهة مع إسرائيل بأنه خط أحمر لا يمكن لأية حكومة إسرائيلية أن تسمح بتجاوزه وهي ستجد نفسها مرغمة على مواجهة الموقف وبكل الوسائل.
ومن واقع توافر المؤشرات الميدانية التي تبين أن النظام في مصر يعاني الآن من عجز جزئي في إحكام سيطرته على الوضع بقبضة من حديد تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بتدعيم الركائز الأساسية التي يستند إليها النظام..
ومن بين هذه الركائز نشر نظام للرقابة والرصد والإنذار قادر على تحليل الحيثيات التي تجرى جمعها وتقييمها ووضعها تحت تصرف القيادات في واشنطن والقدس وحتى في القاهرة.. كما تحرص الولايات المتحدة وإسرائيل
عبر ممثلياتها المختلفة في مصر (السفارات والقنصليات والمراكز الأخرى) على إسناد حملة "جمال مبارك" للفوز بتأييد الشارع والرأي العام المصري ودعم أنشطته المختلفة الاجتماعية والثقافية ليكون أكثر قبولاً من
والده في نظر المصريين.
واعتبر الوزير الصهيوني أن أي حديث عن أهمية تبنى إستراتيجية استباقية حيال مصر من قبل إسرائيل والولايات المتحدة هو تحصيل حاصل. قائلا نحن نطبق مثل هذه الإستراتيجية بالتعاون مع الولايات المتحدة.. قائلاً :
أميركا أدركت منذ وطأت أقدامها مصر بعد وفاة "جمال عبدالناصر" وتولي "أنور السادات" زمام الأمر أنه لابد من إقامة مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية على غرار ما فعلته في تركيا منذ الحرب العالمية
الثانية.. انطلاقا من ثقتها بهذه الركائز وقدرتها على لجم أية مفاجآت غير سارة تبدو إنها أقل قلقاً وانزعاجا منا.. وتعتمد هذه الثقة الأميركية على ما يلي:-
- إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لكل عناصر القوة والنفوذ في مصر، المتمثلة في الطبقة الحاكمة وطبقة رجال الأعمال والنخب الإعلامية والسياسية.
- شراكة أمنية مع أقوى جهازين لحماية الأمن الداخلي مباحث أمن الدولة والداخلية والقوات الخاضعة لها وجهاز المخابرات العامة.
- تأهيل محطات إستراتيجية داخل المدن الرئيسية مراكز صنع القرار القاهرة، الإسكندرية، الإسماعيلية، السويس وبور سعيد.
ويؤكد (آفي ديخيتر ) بالقول: إن القناعة لدى القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل وهى التي بلورت محددات السياسة الإسرائيلية تجاه مصر وأبرزها.
- تعميق وتوطيد العلاقات مع مصر- الرئيس المصري والنخبة الحاكمة- : الحزب الديمقراطي والوزراء والنخب الحاكمة والناظمة لحركة مصر، النخب الاقتصادية (رجال الأعمال) والنخب الإعلامية
والثقافية.
- توسيع قاعدة العلاقة مع المنظومة السياسية والاقتصادية والإعلامية من خلال الارتباط بمصالح مشتركة تنعكس بالإيجاب على الجانبين.
- السعي لصوغ علاقة أقوى من النخب الإعلامية في مصر بالنظر لأهمية دور وسائل الإعلام في مصر في تشكيل الرأي العام وبلورة إتجاهاته.
- من الطبيعي أن تكون هذه العلاقة تستند على مرتكزات قوية تسعى إسرائيل لنسج علاقة مع أقوى شخصيتين في مصر هما اللتان ستتوليان مقاليد السلطة في مصر بعد رحيل الرئيس الحالي "حسنى مبارك" وهما: جمال
مبارك - نجل الرئيس المصري وعمر سليمان - مدير المخابرات المصرية، الذي أصبح له حضور واسع داخل مصر وخارجها.
بالتأكيد فإن من مصلحة إسرائيل الحفاظ على الوضع الراهن ومواجهة أية تطورات لا يحمد عقباها، أي حدوث تحولات مناقضة لتقديراتنا باستمرار الوضع في مصر في حالة رحيل مبارك أي التعايش مع انتقال السلطة من الأب
إلى الابن، مع انتهاء الحرب مع مصر رسمياً بعد اتفاقية "كامب ديفيد" 1979 فإن أحد الأسئلة المطروحة على القيادات الإسرائيلية السياسية والأمنية وبقوة: هو كيف نحول دون حدوث تغير دراماتيكي في مصر؟..
فيمكن حدوث تغيير وفق ثلاثة سيناريوهات هي:-
1. سيطرة الأخوان المسلمين على السلطة بوسائل غير شرعية أو خارج صناديق الاقتراع. هذا السيناريو المفترض يستند إلى تقييم بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر قد ينعكس سلباً
على قدرة النظام في التحكم بالوضع وفقدانه السيطرة الأمنية التي ما تزال هي الأداة الأكثر فاعلية في ضبط الوضع الأمني الداخلي، مثل هذا التدهور قد يفضي إلى فوضى واضطرابات سيجد الإخوان فيها فرصتهم لتحقيق هدفهم
في الوصول إلى السلطة.
2. حدوث انقلاب عسكري: هذا السيناريو رغم استبعاده في المدى المنظور إذا ما ساءت الأوضاع في مصر إلى حد خطير، وهذا ما يدفع قيادات شابة طموحة لركب الموجة والاستيلاء على السلطة،
أعود إلى التأكيد بأن مثل هذا السيناريو يدخل ضمن السيناريوهات الافتراضية فهناك أسباب وجيهة تجعلنا نستبعد مثل هذا الاحتمال.
3. أن يعجز خليفة مبارك سواء كان نجله جمال أو رئيس المخابرات العامة عن إدارة أمور مصر وحل أزماتها الداخلية البنيوية.. فتنفجر موجات من الفوضى والاضطرابات، مثل هذا الوضع قد يدفع
بالبلاد للبحث عن خيار أفضل وهو إجراء انتخابات حرة وبإشراف دولي تشارك فيها حركات أكثر محورية وجذرية من حركة "كفاية" لتظهر على سطح خارطة التفاعلات الداخلية.. ففي كل الأحوال عيوننا وعيون
الولايات المتحدة ترصد وتراقب بل وتتدخل من أجل كبح مثل هذه السيناريوهات لأنها ستكون كارثية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والغرب.
لهذا فهم يحرصون وبحسب ديختر على الأتي:
- الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز في النقاط الحساسة في القاهرة في جاردن سيتي، الجيزة، القاهرة (مصر الجديدة) بإمكانها الانتشار خلال بضع ساعات والسيطرة على مراكز عصب الحياة في القاهرة.
- مرابطة قطع بحرية وطائرات أميركية في قواعد داخل مصر وبجوارها في الغردقة والسويس وبناس.
ويعترف "آفي ديختر" بأنهم لم يحققوا مثل هذا المستوى في توفير الضمانات التي بمقدورها أن تصد أية احتمالات غير مرغوبة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، لكنه يستدرك بالقول: نحن حققنا بعض الخطوات على
الأرض لكنها ليست خطوات كبيرة وواسعة بوسعها أن تكبح أية تطورات مباغتة أو عاصفة وقوية، وعلى هذا الأساس قررنا (والحديث له) أن نعظم ونصعد من وتيرة تواجد ونشاط أجهزتنا التي تسهر على أمن الدولة وترصد
التطورات داخل مصر الظاهرة منها والباطنة.
وعلى صعيد آخر نصحنا حلفاءنا في الولايات المتحدة أن لا يقلصوا من حجم دعمهم الاقتصادي لمصر لمساعدة نظام الرئيس مبارك على مواجهة الضغوط الاجتماعية.
هذا الوضع يثير مخاوف حتى لدى النظام القائم ولدى حلفائه، على رأسهم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.. هذه المخاوف مبررة ذلك أن أي تغير غير مرغوب فيه في مصر ستكون له تداعيات لن تكون حبيسة داخل
مصر بل ستنعكس على عموم المنطقة، كما يؤكد "آفي ديختر" أن هذه التطورات إن حصلت ستؤثر في البيئة الإقليمية وهذه البيئة ستتأثر بالمتغيرات داخل مصر.
فيما يتعلق بأسلوب المواجهة ضد أي تغيرات أو تحولات حادة، يعترف ديختر بأن هناك تنسيقاً مباشراً مع الولايات المتحدة، ولكن من جانب آخر لا يستبعد أي طارئ لمواجهة ذلك “بما فيها العودة إلى شبه جزيرة سيناء إذا
استشعرنا أن هذه التحولات خطيرة وإنها ستحدث انقلابا في السياسة المصرية تجاه إسرائيل .سيناء عندما انسحبنا منها ضمنا أن تبقى رهينة هذا الارتهان تكفله ضمانات أمريكية من بينها السماح لإسرائيل بالعودة إلى سيناء وكذلك
وجود قوات أمريكية مرابطة في سيناء تمتلك حرية الحركة والقدرة على المراقبة بل ومواجهة أسوأ المواقف، وعدم الانسحاب تحت أي ظرف من الظروف.. مجدداً القول: لقد تعلمنا من سابقة عام 1967م دروساً لا
تنسى.. سيناء مجردة من السلاح ومحظور على الجيش المصري الانتشار فيها من جانب مصر.
لن أكشف سراً (والحديث لا زال لديخيتر) إن أفصحت عن أن الموافقة على إدخال (600) من أفراد الشرطة وحرس الحدود والأمن المركزي المصري إلى سيناء للتمركز على حدود قطاع غزة من قبل الطاقم
الأمني جاءت بعد دراسة مستفيضة وبعد مخاض عسير داخل الحكومة و سيناء بعمق (350) كيلومتر مجردة من السلاح هي الضمان الذي لن نتخلى عنه في كل الظروف”.
ثم يختم ديخيتر بالقول: إن مصر خرجت ولن تعود إلى المواجهة مع إسرائيل، هذا مع العلم إنني حاولت قدر الإمكان في إيراد كلام الوزير دون التدخل أو الحذف أو الإضافة إلا في ما ندر ثم هل من أي زاوية يقرأ الغرب
وواشنطن وتل أبيب الانتخابات المصرية الأخيرة..
abast66@hotmail.com
عبدالباسط الشميري
السيناريوهات المعدة للمشهد المصري.. أميركياً وصهيونياً ! 2329