جميعنا يدرك تماماً أن الكروت المحروقة لابد وأن تستبدل بغيرها، والمتأمل اليوم لما حدث ويحدث في مصر سيتبين ذلك بكل جلاء ووضوح.. فمبارك قد صار كرتاً محروقاً، بما أنه كذلك فهاهي الولايات المتحدة قد زجت
بالبديل إلى الشارع بعد إعداده وإعادة تقديمه بصورة الوطني الغيور وكم نخشى على إخوتنا في مصر من ابتلاع الطعم والوقوع في فخ منصوب بإتقان كي تبدو الأمور طبيعية وتلقائية في حين أنها تتحرك في خط سير مرسوم بعناية
فائقة وإن كان مبارك قد انتهى.. فهاهو "البرادعي" قد أتى متسلقاً سياسياً ليس من مصلحته التهدئة لإجراء انتخابات حرة ما دامت البيضة مقشرة.
إنها سيناريوهات متلاحقة لإسقاط الحكومات التي بدأ الضعف يدب في أوصالها أو تلك التي لم يعد في جعبتها الجديد لتقدمه قربان ترضية.. وكل التي استنفذت طاقاتها وفقدت صلاحيتها وحيويتها لابد أن ترحل ويستغنى عن
خدماتها غير أن الرحيل والاستغناء لابد أن تكون له مشروعيته ومبرراته، سيما وإن كان المغضوب عليه من المتشبثين بالسلطة وليس لديه أدنى استعداد للتنازل عنها.
ولعل هذا هو التفسير للتطورات المتسارعة من تأجيج العنف وإثارة الشعوب واختلاف أزمات وافتعال ثورات كي تجعل المشهد يبدو أكثر إقناعاً وإثارة وكان الأمر قد خرج عن تصورهم وأن زمام الأمور قد أفلتت من أيديهم لإقناع
الآخرين بأنهم قد بذلوا قصارى جدهم إلا أن الدرب مسدود وإرادة الشعوب لا بد أن تحترم .
ولن نستبعد أبداً أن يكونوا قد تباكوا وذرفوا بعض دموع التماسيح على سقوط عهد من الولاءات والانقيادات العمياء في معظم المحافل والمناسبات والنكسات التي تجرعتها شعوبها وأمتها التي تكبدت الويلات والنكبات.
نحن إذن نحيي اليوم شعب مصر الأبي الذي أخرجه رغيف الخبز وما رافقها من ذل وقهر وخنوع وفقر وبطالة وعمالة حقيقة.. فضلاً عن قبضة حديدية وغلاء فاحش وسوء خدمات تناولها برنامج "واحد من الناس"
الأسبوعي.. بحيث سلط فيه الضوء على شريحة الفقراء وصور الحالة المزرية التي وصل إليها المواطن المصري من الذل والهوان والانكسار لدرجة أنهم شربوا واغتسلوا وسقوا زرعهم بمياه الصرف الصحي وافترشوا
العراء لما آلت منازلهم للسقوط بل إن منهم من غدا مركبه "قارب الصيد" هو منزله ومصدر رزقه هو وجميع أفراد عائلته.. فيه ينامون ومنه يسترزقون.
إذا كان لابد للصبر أن ينفد وللإرادة أن تنتصر على حكومات لم تتق الله في رعيتها لتعترف اليوم وبعد فوات الأوان بمشروعية المطالب.. فهبت لتقديم تنازلات تلو الأخرى من دون جدوى لما غاب صوت العقل وتحكمت
العاطفة بمجريات الأمور دون أن تفكر أو تدبر الأمر الذي أدى إلى انقسامات في الشارع مابين مؤيد ومعارض وشخصيات مدسوسة استغلت غليان الشارع وانفعال الشباب.. فأقبلت تريد نصيبها من كعكة السلطة المقبلة، والتي
للأسف وجدت من يروج لها إعلامياً وتنفيذاً لأجندة خارجية حصلت على بغيتها، رغم تاريخها الممقوت.. وبقى أن نقول للقنوات المأجورة "أتقوا الله في شعب مصر" الذي أدخلتموه الدوامة وكفاكم تحريضاً.
عفاف سالم
مصر.. إلى أين تقودها الأحداث المتسارعة؟! 1859