يشهد الوطن العربي هذه الأيام موجة ثورات غير مسبوقة في التاريخ المعاصر, أشعل شرارتها الأولى جسد المواطن الجامعي العاطل الـ(بوعزيزي)الذي أكلته النيران قهراً وبؤساً من النظام الديكتاتوري الذي سرعان ما كان
رحيله متوازياً مع مغادرة روح الـ(بوعزيزي) لجثمانه المسجى بالحيرة , ومع هذا الاشتعال الذي قذف بـ"بن علي" خارج أسوار الحياة الطبيعية بعد أن جثم على صدر شعبه عقدين من الزمن تسابق مقهورو الشعوب
العربية إلى تقليد الـ(بوعزيزي) في عدد من الدول بهدف استثارة حماس الشباب المتعطش للثورات على الحكام الطغاة.
غير أن تلك الحرائق تسلقت أجساد أصحابها دون أن تتسلق عزائم الشعوب المنطحنة تحت رحى الأنظمة الاستبدادية المعمرة , حتى جاءت الهبة الشعبية العارمة التي اجتاحت ميادين وشوارع أرض الكنانة, معلنة عن رسالة
شديدة اللهجة, فحواها أن الشعوب العربية التي استنشقت رياح الحرية القادمة من شمال أفريقيا سوف تتمرد على صمتها لتعلن عن ثورات تزلزل الأرض تحت أقدام الولاء والانقياد.
ثورة تونس أتت أكلها وإن كان الغنوشي ورفاقه ما يزالون متمسكين بحضورهم القسري, أما ثورة مصر الكبرى فهي في مخاضها الأخير تتوجع من بعض التصرفات الهوجاء التي أقدم عليها بعض (المحسوبين على النظام )
بهدف تشويه الجنين أو إجهاضه..
لقد حاول النظام المصري استعادت قواه المتخورة حينما استبدل الرداء العسكري لأجهزة الأمن بالزي المدني بهدف تسهيل المهام الموكلة إليهم, والتي يقف على رأسها تشويه صورة الثورة الشعبية, وإشغال المتجمهرين
بحماية ممتلكاتهم عن مواصلة الزحف خلف الهدف المنشود وهو التغيير.. بيد أن هذه السياسة المفضوحة, زادت الشعب المصري إلحاحا على مواصلة النضال السلمي والسعي وراء استعادت الحقوق المغتصبة والإصرار
على الإطاحة برأس الهرم المتسلط , حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى المزيد من نزف الدماء والأرواح.
وهنا نستطيع التوقف عند بعض التساؤلات التي تدمي مشاعرنا المكلومة نظير تلك المشاهد الدموية التي ننام ونصحوا عليها على القنوات الفضائية "المحجوبة وغير المحجوبة..!!"؛ تساؤلات
يتجاهلها الساسة اليوم وسيقضمون أصابع الندم عليها غداً لحظة الزحف الجماهيري المستبسل ما لم يجدوا إجابات عملية تعالج حالات الإحباط المستشرية في أوساط الشباب والكل يعلم ما تعنيه شريحة الشباب خصوصاً بعد الثورة
الشبابية في مصر..
فما دمتم أيها القادة تستميتون على كرسي الحكم بهذه الصورة المجنونة.. لماذا لا تعملوا على دراسة قضايا شعوبكم والاهتمام بمعاناتهم وهمومهم وإيجاد حلول ناجعة تزيح عنهم كل هذا الحقد المحتقن حد التشضي
كي لا يأتي اليوم الذي يلفظونكم فيه إلى غياهب البكاء المؤلم..؟؟ لماذا لا تزيحوا الفاسدين من مناصبهم سوى حين تقف كراسيكم على مسافة حجر من
الاستلاب..؟
يثبت الخارج تنكره لرفاقكم بُعيد تعثر عقلياتهم الموغلة بالولاء، لماذا تصرون على الاعتماد عليه والتخلي عن شعوبكم..؟
ألأسئلة كثيرة والإجابات عنها غائبة في ظل شعوب ثائرة تقابلها قنابل مسيلة للدموع, كرابيج , عصي ,عربات مدرعة , جيوش "تحمي ألـ.. وتصفق لـ.." وبين هذا وذاك تبقى العيون شاخصة باتجاه الدولة
العربية التي سيأتي عليها الدور بعد تونس وأم الدنيا, وإن كانت ثمة بوادر تشير إلى ألسنة النيران المتجهة صوب اليمن.. خصوصاً وأن الأيام القليلة الماضية كانت قد لامست شيئاً من الغضب الجماهيري المسال في الشارع
اليمني المجدب..
فلماذا لا يتعامل الحزب الحاكم مع الواقع بشيء من الذكاء الذي يبعدنا عن حالة الفوضى التي يحلم بها ضعفاء النفوس..؟ صحيح أن الشعبي العام لا يخشى أحزاب اللقاء المشترك؛ تلك الأحزاب التي تمثل المعارضة في اليمن
كونه يعلم محدودية تأثيرها في الشارع غير أنه يجهل تماماً حجم الامتعاض المتزايد الذي يحمله الناس تجاه أولئك الشلة من قياداته الذين يمتلكون أفكار وسياسات منتهية الصلاحية ..؟؟
لماذا لا يقوم بتقديم تنازلات حقيقية.. إن لم تكن للقوى الوطنية الفاعلة.. فلشعب المغلوب على أمره من أجل تحييد بلادنا عن الدماء والفوضى التي يبدو أنها على مقربة من حالة الاحتقان المتمترسة خلف الصراعات
السياسية غير الراشدة ..؟؟ ألم يحن الوقت ليقوم بتغيير سياساته التي وضعت المواطن اليمني تحت حوافر الفقر والبطالة والفساد تسحقه كيفما شاءت..؟؟
وفي الأخير يا سادة يا كرام.. إذا كان المثقفون والأكثر منا تعليماً قد تعامل بعضهم مع الفوضى بتلك الطريقة البلطجية التي شاهدناها جميعاً.. كيف سيكون حال اليمن وهو البلد المسلح والمليء بالثعابين بعدما
يسقط الكرسي الواثب على رؤوسها..؟؟
أتمنى أن يتكرم الحاكم على الوطن ببعض الفتات من التنازلات حتى لا يأتي اليوم الذي تشتعل فيه آمال المعارضين وتوقد أفراحهم على جثث الجماهير الهادرة الغاضبة..!! والله من وراء القصد.
منيف الهلالي
الثورة ورؤوس الثعابين 1835