لا أظن أن أحداً لا يتفق معنا في الرأي في أن التغيير هو ضرورة من ضروريات الحياة بل هو لازم من لوازمها المتجددة.. كما لا أظن أيضاً أن أحداً ينكر الجهود المخلصة التي تقوم الدولة حالياً من أجل التصدي للمشاكل المتراكمة، والعمل على تحقيق التنمية الشاملة في كافة المجالات وتحسن مستوى أداء الخدمات العامة ورفع مستوى معيشة المواطنين.
ويمكن القول بأن المواطن في اليمن لا يعنيه كثيراً ـ عند إدراء تغيير أو تعديل في الحكومة ـ أن يخرج منها عدد من الوزراء والمحافظين أو قد يدخل في تشكيلتها الجديدة عدداً ..فهذه مسألة ثانوية قد تشغله بعض الوقت ولكنها لا تحقق له اهدافه التي يتطلع إليها من أجل إيجاد حلول لمشاكله اليومية ومشاكل التنمية والخدمات التي أصبحت من القضايا المهمة التي يواجهها المجتمع ككل والتي تتطلب إحداث التغيير المخطط.
إن إدارة التغيير أو ما يطلق عليه بالتغيير المخطط هو عنصر أساسي من عناصر نجاح الإدارة في أي مجتمع من المجتمعات أو أي منظمة من المنظمات فهو يمثل إطاراً فكرياً شاملاً للإدارة يتم من خلاله وضع خطة متكاملة لإعادة التنظيم تتضمن تطويراً شاملاً لكافة السياسات التي تعكس أهداف خطة الدولة الإقتصادية والإجتماعية وتساعد على تحقيقها بما يتماشى مع الظروف المالية والمتغيرات العالمية السائدة.
ومن المنطلق فإن التغيير الذي يحلو للكثير الحديث عنه على فترات متعاقبة لا يجب أن يكون مفهومه لدى البعض هو تغيير في الأشخاص فحسب.. وإنما هو تغيير ينبغي أن يتلازم معه وفي تصورنا تطوير شامل لكافة السياسات التي عشنا في إطارها سنوات طويلة ونحن نفسرها ونحللها ونؤكد أنها سياسيات ناجحة ومستقرة وهي في الحقيقة سياسات ثبت بالممارسة العملية أن البعض منها يشوبه الكثير من أوجه القصور .. وأنها في حاجة إلى التطوير والتعديل لكي تتلائم مع ظروفنا المحلية والمتغييرات الدولية المعاصرة التي أثرت بدورها على كافة نظم الإدارة في جميع دول العالم ومن بينها بطبيعة الحال اليمن الحبيب.
وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها الحكومة من أجل مواجهة كافة المشاكل المتراكمة.. إلا أن هناك مجموعة من الظواهر التي تؤكد أن هناك حاجة ماسة وعاجلة لإحداث التغيير والتطوير الشامل للعديد من السياسات الرئيسية الحاكمة ومن أهما مجموعة السياسات الإقتصادية والنقدية والمالية ذات الأثر المباشر التي أدت إلى بطء النشاط الإقتصادي وما ترتب عليه من ظهور مظاهر سلبية متعددة مثل إنخفاض معدلات الإستثمار ونقص السيولة وعجز الميزان التجاري وتزايد الفجوة بين الواردات والصادرات، بالإضافة إلى سياسة تخطيط القوى العاملة على مستوى الدولة وربطها بسياسية تشغيل وتوفير فرص عمل منتجة للخريجين وسياسية التعليم والتدريب المهني والفني والصحة والتأمين الصحي وتطوير نظم الخدمة المدنية وإصلاح نظام العاملين وتطوير الإدارة الحكومية بهدف زيادة إنتاجية وفاعلية هذا القطاع المهم ودعم نظام الإدارة المحلية وتفعيل دورها في التنمية..وغيرها من السياسات التي تحتاج إلى التطوير والتحديث بحيث تكون أكثر كفاءة وقدرة على دفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة خلال المرحلة المقبلة.
ولا شك أن اتخاذ قرار سريع بشأن تلك السياسات ليس بالأمر الهين أو السهل أو هو وصفة سحرية سوف تزول بعدها المشكلات وإنما هو جهد كبير متأن تكون نقطة البدء فيه هو محاولة جادة موضوعية ومخلصة في سبيل تشخيص مشاكلنا الداخلية والتعرف على الأسباب الحقيقة التي أدت لها في إطار من المبادئ العلمية المستقرة والدراسات الميدانية التي كشفت عنها مشاكل التطبيق الماضية وفي ضوء خبراتنا السابقة والدروس المستفادة التي حصلنا عليها من التجارب العديدة التي مررنا بها خلال السنوات الطويلة الماضية ..
الأمل كبير في أن يتحقق ذلك لكي يكون التغيير بحق من أجل التطوير والتحديث وليس التغيير فقط من أجل التغيير الذي قد يتصوره ويردده البعض.
* جامعة الحديدة
نجيب علي الغفاري
التغيير المخطط.. 2024