بعد أحداث تونس تغيرت مفاهيم كثيرة، لدى الشعوب ولدى المعارضين وحتى لدى السلطات الحاكمة في البلاد العربية، قلبت أحداث تونس الكثير من المفاهيم التي ظلت راسخة في سياسة وممارسة غالبية الحكام العرب، فالأحداث الأخيرة التي شهدتها الساحة التونسية أكدت أن الشعوب العربية استيقظت من سباتها العميق، وتونس أعطت درساً للشعوب العربية في الثأر لكرامتها، هي في الحقيقة كانت كذلك عند اندلاع ثورتها عام 1864، واليوم تعود تونس من جديد لتكون ملهمة لبقية الشعوب العربية التي كان يعتقد البعض أن عزيمتها قد ماتت تحت حوافر الأحصنة.
لا شك أن المشهد الذي نعيشه اليوم بعد أحداث تونس قد اختلف كثيراً عن ما كنا نعيشه قبل سنوات وحتى إلى ما قبل أشهر، فالشعوب فضحت حكامها ومعارضيهم على السواء، لم تكن المعارضة قريبة من الشارع فثار الشارع عليها، حتى في تونس لم تكن المعارضة هي التي قادت التغيير، بل قوى أخرى لم يعمل لها النظام التونسي أي حساب، كما لم تدخلها المعارضة ضمن حساباتها، لقد كان التغيير مطلوباً حدوثه، وبهذه الهزة الكبيرة، حتى يتمكن الناس في البلاد العربية من نزع رداء الخوف والتردد ورميه والنزول إلى الشارع مباشرة من أجل إحداث تغيير حقيقي يواكب تطلعات الناس.
عندما نلاحظ ما يدور في تونس فإننا نتأكد أن المعارضة عندما لا تتقدم الشارع فإنه يتم تجاوزها، والمعارضة التي لا تقيس غضب الناس ولا تتلمس همومهم فإنها تتحول إلى قوة مُقادة من الشارع نفسه، وفي الحالة التونسية فإن الشارع هو الذي جر المعارضة خلفه، تماماً كما جر السلطة، وحافظ على ثورة أرادت أن تصنع فجراً جديداً للشعب التونسي لا يكون فيها الفضل لأحد، بل الفضل كله للشعب.
تبدو الحكومات العربية التي تقود أنظمة منذ عشرات السنين غير قادرة على فهم ما يجري، لذلك تحاول الترقيع في السياسات التي تتبعها، معتقدة أنها تتحاشى غضب الشارع، لكن الشارع العربي بعد الحالة التونسية قرر أن يبقي مصيره بيده، ومن الصعب أن يتمكن أحد مهما أمسك البلد بقبضة عسكرية أن يستمر في الحكم إلى ما نهاية، لذلك يبدو أن ما عجزت عنه المعارضة طوال سنوات من سياسة المهادنة والمخاتلة قد تمكن الشارع من التقاطه وعدم المراهنة على هذه السياسة.
هكذا هي إرادات الشعوب، صحيح أنها قد تصمت، وقد يعتبره البعض عجزاً، لكنه الصمت الذي يسبق العاصفة، تماماً كما هي عاصفة تونس، ويجب على الحاكم العربي أن لا يتناسى الحقائق على الأرض، وأن يعمل على إجراء تغييرات جذرية وحقيقية في هيكل النظام وفي مفهوم الحكم نفسه، تغييرات تكون قادرة على تلبية مطالب الناس في العيش الكريم بعيداً عن المزايدات التي نسمعها منذ عشرات السنين من أنظمة فقدت للأسف شرعيتها التي تدعيها. زوراً.
صادق ناشر
الحالة التونسية 1851